السيد عبد الحسين شرف الدين

السيد عبد الحسين شرف الدين

 

السيد عبد الحسين شرف الدين
(1290 هـ ـ 1377 هـ)

 


 

بسم الله الرحمن الرحيم

السيدعبد الحسين بن يوسف شرف الدين العاملي الموسوي: فقيه إمامي، له اشتغال بالحديث ومشاركة في الحركات السياسية الوطنية ببلاد الشام. ولد في شحور (بجبل عامل) وتعلم بالنجف، وأقام في صور، وناوأ الفرنسيين لما احتلوا لبنان، فآذوه، فرحل إلى سوريا ففلسطين، ثم عاد إلى صور (1339 هـ) وزار العراق وإيران (1355 ـ 1356) وتوفي بصور ودفن في النجف. له عشرة تآليف مطبوعة، منها (المراجعات) ترجم إلى الفارسية والأردية، و(الفصول المهمة في تأليف الأُمة) و(ثبت الإثبات في سلسلة الرواة) و(الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء) و(مؤلفوا الشيعة في صدر الإسلام) نشر بعضه في مجلة العرفان، و(زكاة الأخلاق) نشرت فصول منه في العرفان(1).
له في مجال التقريب:
(ونحن لو محصنا التاريخ الإسلامي، وتبينا ما نشأ فيه من عقائد وآراء ونظريات، لعرفنا أن السبب الموجب لهذا الاختلاف إنّما هو ثورة لعقيدة، ودفاع عن نظرية أو تحزب لرأي، وان اعظم خلاف وقع بين الأُمة اختلافهم في الإمامة فانه ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة، فأمر الإمامة إذن من اكبر الأسباب المباشرة لهذا الاختلاف، وقد طبعت الأجيال المختلفة في الإمامة على حب هذه العصبية والفت هذه الحزبية، بدون تدبر وبدون روية ولو أن كلا من الطائفتين نظرت في بينات الأخرى نظر المتفاهم لا نظر الساخط المخاصم، لحصحص الحق وظهر الصبح لذي عينين) (2).
وسماحته من دعاة الوحدة، ولكن لا بشكلها السلبي الذي يدعو إلى تناسي الماضي والتغافل عنه من أساسه، وإسدال الستار على كل ما فيه من مفارقات على نحو ما تبناها بعضهم ناسين أو متناسين أن السكوت عنها وإسدال الستار لا يذهبان برواسبها المتأصلة في النفوس، وإنّما تبقى تعمل عملها في داخلها إلى أن تظهر بصورة انفجار يلتمس المنفذ له في مناسبة عابرة من المناسبات، فهو يرى أن جملة كبيرة من صور الخلاف بين الفريقين لا تستند على أساس، وإنّما هي وليدة نسب كاذبة ودعايات خلقتها بعض الظروف وغذتها قسم من السلطات في عهود غابرة ولو قدر لها أن تبحث بحثا موضوعياً لا من الفريقين بمدى بعدها عن الواقع، والخلافات الأخر لا تعدو أن تكون من قبيل الخلافات بين أي مذهب ومذهب، أو مجتهد ومجتهد، وهي لا تستحق التنابذ والتحاقد، وحتى لو أمكن
_______________________
1 ـ الأعلام للزركلي 3: 279.
2 ـ المراجعات: 4.

أن تعرض للجدل والنقاش على نحو ما صنعه العلمان في (المراجعات) لقاربت بين وجهات النظر (1). ولعل المراجعة الرابعة بين المترجم وشيخ الأزهر دليل آخر للتقريب وخلوص النيّه وهي كما ذُكرت في كتاب المراجعات..
إن تعبدنا في الأصول بغير المذهب الأشعري وفي الفروع بغير المذاهب الأربعة لم يكن لتحزب أو تعصب، ولا للريب في اجتهاد أئمة تلك المذاهب، ولا لعدم عدالتهم وأمانتهم ونزاهتهم وجلالتهم علماً وعملاً- لكن الأدلة الشرعية أخذت بأعناقنا إلى الأخذ بمذهب أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي والتنزيل، فانقطعنا إليهم في فروع الدين وعقائده، وأصول الفقه وقواعده، ومعارف السنة والكتاب، وعلوم الأخلاق والسلوك الآداب، نزولاً على حكم الأدلة والبراهين وتعبداً بسنة سيد المرسلين والنبيين، ـ صلى الله عليه وآله وعليهم أجمعين ـ ولو سمحت لنا الأدلة بمخالفة الأئمة من آل محمد، أو تمكنا من تحصيل نيّة القربة لله سبحانه في مقام العمل على مذهب غيرهم لقصدنا أثر الجمهور، وجرينا على أسلوبهم، تأكيداً لعقد الولاء، وتوثيقاً لعرى الإخاء لكنها الأدلة القطعية تقطع على المؤمن وجهته، وتحول بينه وبين ما يروم.
على أن لا دليل للجمهور على رحجان شيء من مذاهبهم، فضلاً عن وجوبها، وقد نظرنا في أدلة المسلمين نظر الباحث المحقق بكل دقة واستقصاء، فمل نجد فيها ما يمكن القول بدلالته على ذلك، إلاّ ما ذكرتموه من اجتهاد أربابها وأمانتهم وعدالتهم وجلالتهم ـ لكنكم تعلمون أن الاجتهاد والأمانة والعدالة والجلالة غير محصورة بهم فكيف يمكن والحال هذه أن تكون مذاهبهم واجبة على سبيل التعيين ـ وما أظن أحداً يجرأ على القول بتفضيلهم في علم أو عمل على أئمتنا وهم أئمة العترة الطاهرة وسفن نجاة الأُمة، وباب حطتها، وأمانيها من الاختلاف في الدين، وأعلام هدايتها، وثقل رسول الله، وبقيته في أمته، وقد قال ـ صلى الله عليه وآله ـ: فلا تقدموهم فتهلكوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فانهم أعلم منكم، لكنها السياسة، وما أدراك ما اقتضت في صدر الإسلام ـ والعجب من قولكم أن السلف الصالح دانوا بتلك المذاهب ورأوها أعدل المذاهب وأفضلها، واتفقوا على التعبد بها في كل عصر ومصر، كأنكم لا تعلمون بأن الخلف والسلف الصالحين من شيعة آل محمد «وهم نصف المسلمين في المعنى» إنّما دانوا بمذهب الأئمة من ثقل رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فلم يجدوا عنه حولاً، وانهم على ذلك من عهد علي وفاطمة إلى الآن، حيث لم يكن الأشعري ولا واحد من أئمة المذاهب الأربعة ولا آباؤهم، كما لا يخفى على أن أهل القرون الثلاثة مطلقاً لم يدينوا بشيء من تلك المذاهب أصلاً، وأين كانت تلك المذاهب عن القرون الثلاثة «وهي خير القرون» وقد ولد الأشعري سنة سبعين ومئتين، ومات سنة نيف وثلاثين وثلاث مئة، وابن حنبل ولد سنة أربع
___________________________
1 ـ الاجتهاد في مقابل النص، المقدمة: 70.

وستين ومئة، ومات سنة إحدى وأربعين ومئتين، والشافعي ولد سنة خمسين ومئة وتوفي سنة مئتين وأربع وولد مالك سنة خمس وتسعين (1) ومات سنة تسع وسبعين ومئة وولد أبو حنيفة سنة ثمانين، وتوفي سنة خمسين ومئة، والشيعة يدينون بمذهب الأئمة من أهل البيت «وأهل البيت أدرى بالذي فيه» وغير الشيعة يعملون بمذهب العلماء من الصحابة والتابعين، فما الذي أوجب على المسلمين كافة «بعد القرون الثلاثة» تلك المذاهب دون غيرها من المذاهب التي كان معمولاً بها من ذي قبل، وما الذي عدل بهم عن اعدال كتاب الله وسفرته وثقل رسول الله وعيبته، وسفينة نجاه الأُمة وقادتها وأمانها وباب حطتها...؟؟!
وما الذي ارتج باب الاجتهاد في وجوه المسلمين بعد أن كان في القرون الثلاثة مفتوحاً على مصراعية لولا الخلود إلى العجز والاطمئنان إلى الكسل، والرضا بالحرمات والقناعة بالجهل، ومن ذا الذي يرضى لنفسه أن يكون «من حيث يشعر أو لا يشعر» قائلاً بأن الله عزّوجلّ لم يبعث أفضل أنبيائه ورسله، بأفضل أديانه وشرائعه، ولم ينزل عليه أفضل كتبه وصحفه، بأفضل حكمه ونواميسه ولم يكمل له الدين، ولم يتم عليه النعمة، ولم يعلمه وعلم ما كان علم ما بقي إلا لينتهي الأمر في ذلك كله إلى أئمة تلك المذاهب فيحتكروه لأنفسهم، ويمنعوا من الوصول إلى شيء منه عن طريق غيرهم، حتّى كأن الدين الإسلامي بكتابه وسنته، وسائر بيناته وأدلته من أملاّكهم الخاصة وانهم لم يبيحوا التصرف به على غير رأيهم، فهل كانوا ورثة الأنبياء، أم ختم الله بهم الأوصياء والأئمة، وعلمهم علم ما كان وعلم ما بقي، وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين.
_____________________________________
1 ـ ذكر ابن خلكان في أحوال مالك من وفيات الأعيان أن مالكاً بقي جنيناً في بطن أمة ثلاثة سنوات ونص على ذلك ابن قتيبة حيث ذكر مالكاً من أصحاب الرأي من كتابه المعارف ص 170 وحيث أورد جماعة زعم انهم قد حملت بهم أمهاتهم اكثر من وقت الحمل صفحة 198 من المعارف أيضاً.


كلا بل كانوا كغيرهم من أعلام العلم ورعاته، وسدنته ودعاته، وحاشا دعاة العلم أن يوصدوا بابه، أو يصدوا عن سبيله، وما كانوا ليعتقلوا العقول والإفهام ولا ليسملوا أنظار الأنام، ولا ليجعلوا على القلوب أكنه، وعلى الأسماع وقرا، وعلى الأبصار غشاوة، وعلى الأفواه كمامات، وفي الأيدي والأعناق أغلالا، وفي الأرجل قيودا لا ينسب ذلك إليهم إلاّ من افترى عليهم وتلك أقوالهم تشهد بما نقول، هلم بنا إلى المهمة التي نيهتنا إليها من لم شعث المسلمين والذي أراه أن ذلك ليس موقوفاً على عدول الشيعة عن مذهبهم، ولا على عدول السنة عن مذهبهم، وتكليف الشيعة بذلك دون غيرهم ترجيح بلا مرجح، بل ترجيح للمرجوع، بل تكليف بغير المقدور، كما يعلم مما قدمناه ـ نعم يلم الشعث وينتظم عقد الاجتماع بتحريركم مذهب أهل البيت، واعتباركم أياه كأحد مذاهبكم، حتّى يكون نظر كل من الشافعية والحنفية والمالكية والحنبلية إلى شيعة آل محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ كنظر بعضهم إلى بعض وبهذا يجتمع شمل المسلمين وينتظم عقد اجتماعهم ـ والاختلاف بين مذاهب أهل السنة لا يقل عن الاختلاف بينها وبين مذهب الشيعة، تشهد بذلك الألوف المؤلفة في فروع الطائفتين وأصولها، فلماذا ندّد المنددون منكم بالشيعة في مخالفتهم لأهل السنة، ولم ينددوا بأهل السنة في مخالفتهم للشيعة، بل في مخالفة بعضهم لبعض، فإذا جاز أن تكون المذاهب أربعة فلماذا لا يجوز أن تكون خمسة، وكيف يمكن أن تكون الأربعة موافقة لاجتماع المسلمين، فإذا زادت مذهباً خامساً تمزق الاجتماع، وتفرق المسلمون طرائق قددا، وليتكم إذا دعوتمونا إلى الوحدة المذهبية، دعوتم أهل المذاهب الأربعة إليها فإن ذلك أهون عليكم وعليهم ولم خصصتمونا بهذه الدعوة؟
فهل ترون اتباع أهل البيت سبباً في قطع حبل الشمل، ونترعقد الاجتماع واتباع غيرهم موجباً لاجتماع القلوب واتحاد العزائم وان اختلفت المذاهب والآراء وتعددت المشارب والأهواء، ما هكذا الظن بكم ولا المعروف من مودتكم في القربى والسلام.
فكان جواب الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر هو بعنوان المراجعة الخامسة:
أخذت كتابك الكريم مبسوط العبارة مشبع الفصول، مقبول الإطناب حسن التحرير شديد المراء قوي اللداد لم يدخر وسعاً في بيان عدم وجوب اتباع شيء من مذاهب الجمهور في الأصول والفروع، ولم يال جهداً في إثبات بقاء باب الاجتهاد مفتوحاً فكتابك قوي الحجة في المسألتين، صحيح الاستدلال على كل منها، ونحن لا ننكر عليك الإمعان في البحث عنهما، واستجلاء غوامضهما، وان لم يسبق منا التعرض لهما صريحاً «والرأي فيهما ما رأيت»
وإنّما سألناك عن السبب في أعراضكم عن تلك المذاهب التي اخذ بها جمهور المسلمين، فأجبت بأن السبب في ذلك إنّما هو الأدلة الشرعية، وكان عليك بيانها تفصيلاً، فهل لك أن تصدع بتفصيلها من الكتاب والسنة أدلة قطعية تقطع «كما ذكرت» على المؤمن وجهته، وتحول بينه وبين ما يروم ولك الشكر والسلام وهكذا تتم المراجعات بروح من الاخوة وحسن النية بين عالمين جليلين وقد طبع الكتاب عدة طبعات.