الشيخ سليم البشري المالكي
الشيخ سليم البشري المالكي
شيخ الجامع الأزهر
1248 هـ ـ 1335 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ولد الشيخ بمحلة بشر وهي قرية من مديرية البحيرة بمركز بلاد الأرز شرقي ترعة الخطاطية بالقطر المصري وقدم إلى مصر بعدما حفظ القرآن الكريم واشتغل بالعلم على مذهب الامام مالك، وجدّ في التحصيل على كبار العلماء كالشيخ البجوري والشيخ عليش وإضرابهما حتّى مهر، ودرّس في سنة (1272 هـ) جميع الكتب المعتادة بالأزهر مرات عديدة وتخرج من درسه كثير من أكابر ومشاهير العلماء المدرسين بالأزهر كالشيخ الفاضل الشيخ محمد راشد أمام المعية والمرحوم الشيخ البسيوني البيباني والمرحوم الشيخ محمد عرفة وغير هؤلاء من أفاضل المدرسين بالأزهر.
ولما عين شيخنا للجامع الزينبي وكان خاليا من المدرسين رتب نحو السبعة من العلماء للتدريس به منهم من يقرأ الحديث ومنهم من يقرأ الفقه على الأربعة المذاهب ومنهم من يقرأ الأخلاق وغير ذلك، وطلب لهم مرتبات من الأوقاف ورتب لهم ذلك حتّى صار ذلك الجامع كأنه قطعة من الأزهر في سنة (1305 هـ) صار شيخا للمالكيّة وكانت قد الغيت نحو خمس سنوات بعد الشيخ عليش فأحياها الشيخ بين المشيختين، ومن تأليفه: تحفة الطلاب في شرح رسالة الآداب وحاشية على رسالة عليش في التوحيد، وكان ابنه الشيخ عبد العزيز البشري من أفاضل العلماء والكتاب وتوفي في سنة (1335 هـ) (1).
وله مناظرات مع السيد عبد الحسين شرف الدين في كتاب يدعى بـ «المراجعات» أذكر هنا. المراجعة الأولى منه والأخيرة:
«السلام على الشريف العلامة الشيخ عبد الحسين شرف الدين الموسوي ورحمة الله وبركاته.
انّي لم أتعرف فيما مضى من أيامي دخائل الشيعة، ولم ابلُ أخلاقهم، إذ لم أجالس آحادهم، ولم استبطن سوادهم، وكنت متلعلعا إلى محاضرة أعلامهم، حران الجوانح إلى تخلل عواملهم، بحثا عن آرائهم، وتنقيبا عن أهوائهم، فلما قدر الله وقوفي على ساحل علمك المحيط، وارشفتني ثغر كاسك المعين، شفى الله بسائغ فراقك اوامي ونضح عطشي، والية بمدينة علم الله «جدك المصطفى» وبابها «أبيك المرتضى» انّي لم أذق شربة انقع لغليل، ولا أنجع لعليل، من سلسال منهلك السلسبيل.
______________________
1 ـ الأزهر في ألف عام 1: 254.
وكنت اسمع أن من رأيكم «معشر الشيعة» مجانبة إخوانكم (أهل السنّة) وانقباضكم عنهم، وإنكم تأنسون بالوحشة، وتخلدون إلى الوحدة، وإنكم... لكني رأيت منك شخصا رفيق المناقشة، دقيق المباحثة، شهي المجاملة، قوي المجادلة، لطيف المفاكهة، شريف المعاركة، شكور الملابسة، مبرور المنافسة، فإذا الشيعي ريحانة الجليس، ومُنية كل أديب وانّي لواقف على ساحل بحرك اللجي أستأذن في خوض عبابه والغوص على درره أفإن أذنت غُصنا على دقائق وغوامض تحوك في صدري منذ أمد بعيد وإلا فالأمر إليك، وما أنا فيما ارفعه بباحث عن عثرة، أو متتبع عورة، ولا بمنفذ أو مندد، وإنّما انا نشاد ضالة، وبحاث عن حقيقة، فإن تبين الحق فإن الحق أحق أن يتبع وإلاّ فأنا كما قال القائل:
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف)(1).
المراجعة 111 رقم 1 جمادي الأولى سنة 1330 هـ :
اشهد انّكم في الفروع والأصول على ما كان عليه الأئمة من آل الرسول وقد أوضحت هذا الأمر فجعلته جليا وأظهرت من مكنونه ما كان خفيا فالشك فيه خيال والتشكيك تضليل، وقد استشففته(2) فراقني إلى الغاية، وتمخرت ريحه (3) الطيبة فانعشني قدسي مهبها بشذاه الفياح وكفت (قبل أن اتصل بسببك) على لبس فيكم لما كنت اسمعه من إرجاف المرجفين وإجحاف المجحفين، فلما يسر الله اجتماعنا آويت منك إلى علم هدى ومصباح دجى وانصرف عنك مفلحا منجحا فما أعظم نعمة الله بك علي، وما أحسن عائدتك لدي والحمد لله رب العالمين .
المراجعة 112 رقم 2 جمادى الأولى سنة 1330 هـ :
اشهد انّك مطّلع لهذا الأمر وشعرت له، حسرت له عن ساق، واتصلت فيه أمضى من الشهاب، أغرقت في البحث عنه، واستقصيت في التحقيق والتدقيق تنظر في اعطافه واثنائه، ومطاويه واحنائه، تقلبه متقلبا عنه ظهرا لبطن تتعرف دخيلته وتطلب كنهه وحقيقته. لا تستفزك العواطف القوميّة، ولاتستخفك الأغراض الشخصية فلا تصدع صفات حلمك، ولا تستثار قطاة رأيك مفرقا في البحث بحلم اثبت من رضوي، وصدر أوسع من الدنيا، ممعناً في التحقيق لا تأخذك في ذلك آصرة، حتّى برح الخفاء وصرح الحقّ عن محضه، وبان الصبح لذي عينين والحمد لله على هدايته لدينه والتوفيق لما دعا إليه من سبيله وصلى الله على محمد وآله وسلم.
_______________________________
1 ـ المراجعات ـ الامام شرف الدين: 02.
2 ـ تقول: اشتففت الثوب إذا نشرته في الضوء، وفتشته تطلب عيبه إن كان فيه عيب.
3 ـ تمخر الريح أن تبحث عن مهبها ومجراها.