طلال عتريسي : التكفيريون يروجون لفكرة أن الاسلام دين القتل و العنف و الارهاب

طلال عتريسي : التكفيريون يروجون لفكرة أن الاسلام دين القتل و العنف و الارهاب
طلال عتريسي : التكفيريون يروجون لفكرة أن الاسلام دين القتل و العنف و الارهاب

في معرض اجابته عن سؤال حول تقيمه لمسيرة التقريب و الى أي حدّ نجحت في تحقيق الاهداف التي تصبو اليها ، قال الدكتور عتريسي : مسيرة التقريب مستمرة لأنها لم تحقق اهدافها بعد نظراً لما يعترضها من صعوبات و تعقيدات ، لأن هناك اطراف و جهات و قوى و اشخاص لا ترغب في أن تحقق مسيرة التقريب اهدافها ، ما يعني أن المسيرة تواجه عقبات من داخل الاطر التي تعمل من خلالها ، و من القوى و الجهات التي تريد أن تعرقل هذه المسيرة . و بطبيعة الحال أن مسيرة التقريب تتأثر بالظروف التي تعمل فيها ، يعني اذا كانت الظروف السياسية - على سبيل المثال - ظروف مناسبة و ملائمة ، اعتقد أن فكرة التقريب سوف تتقدم الى الامام ، أو على الاقل تتراجع فكرة مواجهة التقريب . بمعنى أنه لو كان هناك لقاء حقيقي بين الدول الاسلامية و تعاون جاد فيما بينها ، فان ذلك سوف يؤثر دون شك بشكل ايجابي على مسيرة التقريب . و لهذا اعتقد أن مسيرة التقريب مستمرة لأنها لم تحقق كامل اهدافها ، لان هذه الاهداف لا تنفصل في الواقع عن التعاون بين البلدان الاسلامية على الصعد الثقافية و الاقتصادية و السياسية ، و لا يمكن الفصل بين تقارب المسلمين على المستوى الفقهي و العقائدي ، و بين التقارب على المستوى الاقتصادي و الثقافي و السياسي .
 
و عن تصوره إزاء السبل الاكثر تأثيراً في نشر ثقافة التقريب ، أوضح الدكتور عتريسي : أظن ان هناك اليوم ظروفاً جديدة لم تكن موجودة في السابق لنشر ثقافة التقريب ألا و هي الوسائل الاعلامية . فالاعلام اليوم يلعب دوراً كبيراً في مواقع التواصل المختلفة ، و لابد لهذه الوسائل من الاضطلاع بدور كبير في نشر ثقافة التقريب ، مثلما تفعل اليوم هذه الوسائل في نشر الثقافة المعاكسة للتقريب ،و في نشر ثقافة الفتنة . فاليوم الذي ينشر ثقافة الفتنة هي وسائل الاعلام و بعض الفضائيات و مواقع التواصل الاجتماعي . و لهذا السبب اعتقد أنه يجب الاهتمام بشكل كبير بهذا الجانب . 

و يمضي بالقول : الجانب الآخر يقع على عاتق مؤسسات التعليم الديني ، يعني المؤسسات الدينية الكبرى ، و المدارس الدينية في البلدان الاسلامية . كيف تعلّم هذه المدارس طلابها المذاهب الاخرى ؟ هل تقدم المذهب الآخر باعتباره من مذاهب الكفر أو الظلال أو الرفض أو ماشابه ذلك ، أم تتحمل مسؤولية كبرى في تقديم صورة الآخر ، و هي مسؤولية خطيرة . لانه كيف يستطيع الشخص الذي يتخرج من هذه المدرسة أن يعيش في المجتمع ، إذا كان قد تربى على أن كل أفراد المجتمع كفار ، و وحده الذي يمتلك العقيدة الصحيحة . و لهذا فان مؤسسات التعليم الديني تتحمل مسؤولية كبيرة ، المباشرة و غير المباشرة . و هكذا المؤسسات الاعلامية تتحمل اليوم مسؤولية ، سواء في نشر ثقافة التقريب ، مثلما تتحمل مسؤولية نشر الثقافة المناهضة للتقريب و هي ثقافة الفتنة . 

و تساءلنا عن المستفيد مما تقوم به الجماعات التكفيرية من قتل و ذبح على الهوية ، فأجاب الدكتور عتريسي : المسألة البديهية هي أن ما تقوم به هذه الجماعات من قتل و ذبح و تكفير ، يخدم اعداء الاسلام دون شك أو ترديد . و لهذا اعتقد لو حصل اليوم و تكررت مسألة الرسوم المسيئة ، هل يستطيع المسلمون أن يخرجوا في تظاهرات و ينددوا بهذه الرسوم التي تسيء الى الاسلام و المسلمين ؟. فأنا اعتقد ليس هناك من حاجة لذلك ، لأن هناك من يدعي الاسلام و يقدم صورة أسوأ من ذلك بمئات المرات . أن ما يقوم به هؤلاء يخدم الفكر المعادي للاسلام ، يخدم الفكرة التي تروج الى أن الاسلام دين القتل و دين العنف و دين الارهاب . 

و يضيف : ثمة نقطة أخرى و هي أن خطورة هؤلاء الذين يقتلون الناس بإسم التكفير و بإسم الاسلام ، في أنهم يعاملون الناس من المنطلق الديني و ليس من أي منطلق آخر، بمعنى أنه إذا لم تكن أنت على شاكلتهم فكرياً وعقائدياً و ايديولوجياً ، يجب أن تقتل . و خطورة هذا الامر تكمن في أنهم يلغون كل الاحتمالات الأخرى ، كل الاولويات الأخرى في المجتمع الاسلامي . يعني أن في المجتمع الاسلامي هناك مشاكل اقتصادية ، و مشاكل تنموية ، و هناك مشكلة الفقر ، و مشكلة التبعية و مشاكل ثقافية ، و مشكلة الوحدة الاسلامية . بيد أن هذا الاتجاه يلغي كل هذه الاولويات و يعتبر أن الاولوية هي لقتل أهل الكفر و اهل الرفض و ماشابه ذلك ، و كل من يختلف معهم . و هذه مصيبة كبرى . لأنها تعني أن المجتمع الاسلامي سيعيش سنوات طويلة من الاقتتال من دون أن يتقدم خطوة واحدة في معالجة المشاكل الأخرى . 

و عن تفسيره لما يقوم به الغرب من احتضان و دعم للفئات الاسلامية المتطرفة و المتشددة ، خلافاً لمبادئه المعلنة و القيم التي يؤمن بها الغربيون ، يرى الدكتور عتريسي : الغربيون دعم هذه الفئات خلافاً لمشاريعهم في الديمقراطية و التعددية و احترام الآخر ، لأهداف سياسية ، لانهم اعتقدوا أن بوسع هذه الفئات أن تساعدهم في اسقاط النظام السوري ، أو في اضعاف النطام في العراق ، أو اضعاف بعض الاطراف في لبنان ، او في ارباك ايران . و لهذا فتحوا لهم المطارات في كل انحاء العالم ، و قدموا لهم التمويل و التسليح لأهداف سياسية تخدم المشروع الغربي و المشروع الاميركية في المنطقة . أنهم لم يتوقفوا أمام رفض الآخر ، او امام قتل الآخر ، باعتبارهم يخدمون الاهداف السياسية للحكومات الغربية ، و هذا يكشف بأن الغرب يعمل - كما هو معلوم - بمنظارين و بمنطقين ، فما يخدم مصالحه يقبله ، و الذي لا يخدم مصالحه يرفضه ، حتى لو كانت المسألة الديمقراطية أو هوية الآخر . 

و حول تقييمه لدور المقاومة في الدفاع عن كرامة الامة الاسلامية و احقاق حقوقها ، يقول الدكتور عتريسي : أن احد دوافع ما يجري اليوم من فتن و من مشروع تكفيري هو، محاصرة المقاومة الاسلامية . فالمطلوب من كل ما يجري في المنطقة بأسرها ، سواء في لبنان أو فلسطين أو سوريا أو العراق ، هو أن يكون الصراع بين المسلمين ، و ليس ضد مشروع الكيان الصهيوني . المشروع التكفيري يريد ان ينقل الصراع الى داخل الامة الاسلامية ، و هنا تكمن خطورته ، لانه يؤثر سلباً على المقاومة الاسلامية التي تقاتل الكيان الصهيوني . و لهذا ثمة ضرورة للفصل بين هذا المشروع الذي يريد أن يجعل المسلمين في حالة قتال داخلي ، و بين مشروع المقاومة الاسلامية الذي يريد أن يقول أن عدو الامة ليس المذهب الآخر ، بل المشروع الصهيوني . و من هنا نرى أن المشروع التكفيري يلتقي و يتناغم مع المشروع الصهيوني ، لأنه يهدف الى محاصرة مشروع المقاومة الاسلامية . 

و أخيراً سألنا الدكتور طلال عتريسي عن انطباعه ازاء دور الحكومات و الانظمة في تكريس وحدة المسلمين و تعزيز تضامنهم ، قال موضحاً : المشكلة في العالم الاسلامي اليوم تكمن في ان الحكومات و الانظمة غير متفقة في موضوع الوحدة الاسلامية ، و في موضوع التقريب . على سبيل المثال ، أن الجمهورية الاسلامية و منذ السنوات الاولى لتأسيسها رفعت شعار الوحدة الاسلامية ، و لم تتردد عن تجنيد كل الامكانات و الطاقات من أجل ترجمته عملياًعلى صعيد الواقع . و يكفي أن نلقي نظرة الى مؤتمرات الوحدة الاسلامية ، و اسبوع الوحدة ، و مؤتمرات التقريب ،التي حرصت الجمهورية الاسلامية منذ ثمانية و عشرين عاماً على تنظيمها رغم كل الضغوط و العقبات . حتى أنه لم نشهد دولة اسلامية أهتمت بهذا الموضوع مثلما اهتمت الجمهورية الاسلامية . بل على العكس هناك بعض الدول تعمل ضد مشروع الوحدة الاسلامية و تطلق التصريحات المعادية له . و هذه مشكلة . فلو كان هناك انسجام بين الدول الاسلامية ، و لو أن منظمة المؤتمر الاسلامي تبنت هذه القضية و وضعتها ضمن جدول اعمالها ، لربما كان الوضع أفضل . و لهذا فأنا اعتقد ان ايران هي الدولة الوحيدة اليوم التي ترفع لواء الوحدة الاسلامية ، و تدعو للتقريب بين المذاهب الاسلامية ، و أن ثمة حاجة الى تجاوب و تعاون من باقي الحكومات و الدول الاسلامية في هذا المجال . 

و عن الاسباب التي تحول دون تحقق مثل هذا التجاوب و التعاون ، يقول الدكتور عتريسي : أظن أن الاسباب سياسية و ليست مذهبية . الخلافات السياسية هي التي تؤخر التفاهم في موضوع الوحدة . ربما لا يريد البعض أن يعترف لإيران بهذا السبق ، ربما لا يريد البعض أن يجعل ايران شريكاً اساسياً في كل ما يهم العالم الاسلامي ، و لهذا يجعل قضية الوحدة الاسلامية خارج اهتماماته .