الدكتور القرة داغي : التلاحم والوحدة بين الامة فريضة قرانية صنعها الاسلام بصبغته الربانية
اكد رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين "الشيخ الدكتور علي القره داغي"، على "التلاحم والوفاق والوحدة بين الامة الإسلامية، باعتبارها فريضة قرأنية، صنعها الإسلام وصبغها بصبغته الربانية"؛ مبينا أن "مجتمعاتنا اليوم تحتاج وأكثر من أي وقت مضى، إلى دعم فقه الوفاق ونبذ الفرقة والطائفية، وهذه مسؤولية العلماء والدعاء والمثقفين والمفكرين المسلمين".
الدكتور القرة داغي، صرح بذلك عبر خطاب بعث به الى المؤتمر الدولي الـ 38 للوحدة الاسلامية، الذي بدا اعماله صباح اليوم الخميس في طهران، تحت شعار "التعاون الاسلامي من اجل بلورة القيم المشتركة مع التاكيد على القضية الفلسطينية".
واشار الشيخ القرة داغي، في خطابه، الى القضية الفلسطينية باعتبارها "القضية المحورية للأمة الإسلامية"؛ مبينا، انه "في ظل غياب روح الوفاق والوئام المأمول بين أبناء الأمة وقادتتها وحكامها، نقف مكتوفي الأيدي أمام كل المجازر والمأسي التي تحل بشعب غزة الأبيّ على أعتاب الشهر الثاني عشر من معركة طوفان الأقصى، والعالم الإسلامي لا يحرك ساكنا حقنا للدماء وإنقاذا لأرواح الأبرياء الذين يتعرضون لأبشع أنواع حملات التطهير العرقي بأسلحة فتاكة توفرها القوى العظمى المهيمنة على قرارات المجلس الأمن، ومعظم المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة".
كما اثنى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، على جهود المسؤولين في المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية، ولاسيما امينه العام "حجة الاسلام الدكتور حميد شهرياري"، بهدف تنظيم واقامة المؤتمر الدولي الـ 38 للوحدة الاسلامية؛ متوجها بالشكر الى حكومة الجمهورية الاسلامية الايرانية، على الدعوة التي وجهتها إليه لحضور المؤتمر.
وفيما يلي، نصّ الخطاب الموجه من رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ الدكتور علي القرة داغي، الى مؤتمر الوحدة الـ 38 :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين حبيبنا محمد وعلى أله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.
السادة الحضور/
أحييكم بتحية الإسلام وتحية الإسلام السلام، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
بداية أصالة عن نفسي ونيابة عن إخواني وأخواتي في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أهنئ القائمين على المؤتمر الثامن والثلاثين للوحدة الإسلامية، وأخص بالذكر الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية فضيلة الدكتور حميد شهرياري ونوابه وزملائه، كما أتوجه بالشكر الجزيل لحكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشقيقة على الدعوة الكريمة التي وجهتها إلينا، إلا أن ظروفا لم تسمح لنا بالحضور، فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق المؤتمر والقائمين عليه بما هو مأمول.
أما بعد :
إن الدين الاسلامي الحنيف وهو الرسالة الخالدة المباركة التي بعث الله سبحانه وتعالى بها أفضل خلقه إلى بشرية جمعاء على مر العصور والأزمان، متجاوزا حدود الحضارات والأوطان، من شأنها أن تكون قابلة للتجديد.. مع الاحتفاظ بكل ما هي ثابتة من دعائم الإيمان واواصر الأخلاق، فإن العصور والأوطان باختلاف أولوياتها وحاجاتها وأسئلتها، قد تقتضي إعادة قراءة النصوص والفهم المبني علي الواقع، كما قال الإمام ابن القيم الجوزي رحمه الله تعالى :
"ولا يتمكن المفتتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم؛ أحدهما : فهم الواقع والفقه فيه، والنوع الثاني : فهم الواجب في الواقع.
وفي نفس السياق حينما يقول الله سبحانه وتعالى : [كنتم خير أمة اخرجت للناس]، فإن هذه الأمة ليست أمة عرقية أو إقليمية، بل هي أمة عقيدة ورسالة، ولذلك هي أمة مفتوحة للبشر جميعا على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأوطانهم، أي لكل من أمن بهذه الرسالة الربانية والإنسانية والأخلاقية والحضارية والعالمية.
فإنها أمة الإسلام، أمة القرأن، أمة الإجابة لدعوة محمد صلى الله عليه وسلم، كما أنها أمة مخرجة، حياتها ليست باستعمار الشعوب وثرواتها، بل هدفها إعلاء كلمة الله، وكلمة الله هي الحق والخير والعدل والرحمة؛ أمة أخرجها الله لهداية الناس ولنفع الناس، [ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير]، فهي أمة داعية إلى الخير، كما هي أمة واحدة، [إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون].
إن ضرورة التلاحم والوفاق والوحدة بين الامة الإسلامية، فريضة قرأنية، صنعها الإسلام وصبغها بصبغته الربانية، وما هذه الوحدة في الامة إلا إحدى مقتضيات وحدانية الله تعالى، فإنها موحدة الوجهة، موحدة المصير، وهي لا تعني أن أفراد الأمة وجماعاتها ومذاهبها نسخا متطابقة لا تختلف بعضها عن بعض، بل إن التنوع بين مكونات الأمة قائمة، والاختلاف بينها وارد، ولكنه تنوع يحكمه حب الوحدة، واختلاف يعود باطرافه إلى المبادئ الأساسية الكبرى التي يقوم عليها الدين.
جدير بالذكر، أن مجتمعاتنا اليوم تحتاج وأكثر من أي وقت مضى، إلى دعم فقه الوفاق ونبذ الفرقة والطائفية، وهذه مسؤولية العلماء والدعاء والمثقفين والمفكرين المسلمين، بحيث تكون ثقافة الحفاظ على اولوية المصلحة للنهوض بالأمة، واستشراف مستقبلها والتقدم وتأهيل أبنائها للمشاركة الفاعلة.
ومن هنا يمكن القول، أن الامة المسلمة بكل شعوبها واطيافها وتلون انتماءاتها السياسية والفكرية والمذهبية، هي بامسّ الحاجة إلى إعادة ترميم ما تصدع من وحدتها، لأنها أصبحت حاجة ملحة من حوائج الأمة السياسية والاقتصادية والثقافية في إطار تبادل المصالح المشتركة بين المسلمين، حفاظا على مستقبل مصيرهم المشترك، وفي إطار التحديات العالمية الكبرى.
وأما بالنسبة للقضية المحورية للأمة الإسلامية وهي القضية الفلسطينية، فها نحن في ظل غياب روح الوفاق والوئام المأمول بين أبناء الأمة وقادتتها وحكامها، نقف مكتوفي الأيدي أمام كل هذه المجازر والمأسي التي تحل بشعب غزة الأبيّ على أعتاب الشهر الثاني عشر من معركة طوفان الأقصى، والعالم الإسلامي لا يحرك ساكنا حقنا للدماء وإنقاذا لأرواح الأبرياء الذين يتعرضون لأبشع أنواع حملات التطهير العرقي بأسلحة فتاكة توفرها القوى العظمى المهيمنة على قرارات المجلس الأمن، ومعظم المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة.
نحن اليوم نعيش في عصر نرى أن الدول المتقدمة، وبخاصة الدول الغربية، لم تعد لهم مبادئ ثابتة، ولا قيم أخلاقية راسخة، بل لم تعد للقوانين الأممية، والدولية قيمة تذكر، بل أصبحت شريعة الغاب هي التي تحم البلاد والعباد، وما نقوله ليس مجرد ادعاء، بل نشاهده، ويشاهده العالم في غزة طوال أكثر من أحد عشر شهرا من إبادة جماعية يوميا، وقتل للأطفال والنساء، حتى تجاوز عددهم عشرين ألف طفل وامرأة، وتدمير كامل لغزة العزة، ببنيانها ومساجدها، ومستشفياتها وجامعاتها، ومدارسها، حتى مدارس الأمم المتحدة، ومع تجاوز عدد المرضى والجرحى والمفقودين 150 الفا، ولكن العدو الصهيوني لم يشبع من الدماء والمجارز التي ارتكبها في غزة، فهو الان يتجه نحو لبنان وارتكب فيه خلال اليومين السابقين مجزرة في حق المدنيين لم يشهد التأريخ مثلها، ومع الأسف الشديد فإن الدول الغربية الكبرى تقف مع العدو في جميع الأحوال.. فواجبنا نحن (المسلمون) أن نرقي إلى مستوى المسؤولية من عدة جوانب :
الجانب الأول : الاتفاق على منع هذه الجرائم بجميع الوسائل المتاحة الفكرية، والاقتصادية، والمقاطعة الشاملة وغير ذلك.
الجانب الثاني : تقديم المنظومة الأخلاقية والمبدئية الإسلامية إلى العالم أجمع، لنثبت لهم بأن الإسلام هو الوحيد القادر على الحفاظ على هذه المبادئ، العدل والرحمة والمساواة في جميع الاحوال، وأن سيرة الحبيب المصطفى صلي الله عليه وسلم شاهدة على ذلك.
وفي الختام أشكركم على رحابة صدوركم وحسن إستماعكم وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يوقفنا جميعا في صف مرصوص لصد العدوان على أي بقعة من بقاع العالم الإسلامي وأن يؤهلنا جميعا لنكون ضمن طلائع جيش التحرير الدي يطهر أرض الإسراء والمعراج من دنس المحتلين الغاصبين، ويساعد الشعب الفلسطيني البطل الذي لقَن العالم بأسره أنبل معاني التضحية والفداء لقضيته العادلة، لإعادة بناء ما قام بتدميره هؤلاءة الفسدة المجرمون.
وما ذلك على الله بعزيز والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.