باحث اسلامي ايراني : یجب أن نتفق علی المبادئ الأخلاقیة ونلتزم بها كي لا نواجه صراعاً فکریاً

باحث اسلامي ايراني : یجب أن نتفق علی المبادئ الأخلاقیة ونلتزم بها كي لا نواجه صراعاً فکریاً

أكد رئیس وحدة الدراسات الاسلامية بمركز العلوم الثقافي في ايران "آیة الله الدکتور السید مصطفی محقق داماد"، أنه "یجب علينا نحن المسلمون بأن نتفق علی المبادئ الأخلاقیة ونلتزم بها كي لا نواجه صراعاً فکریاً فيما بیننا .. ونکوّن إتحاداً متکاملاً ونؤکد علی التعایش السلمي، ونکون معلم الأخلاق في عالم یخلو من الأخلاق والقیم الإنسانیة".


وفي مقاله خلال المؤتمر الافتراضي الدولي الـ 37 للوحدة الاسلامية، وجّه "آیة الله الدکتور السید مصطفی محقق داماد"شكره وتقديره للمجمع العالمي للتقریب بین المذاهب الاسلامیه على توجيه دعوة له بالمشارکه في هذا الموتمر الذي اقيم تحت شعار "التعاون الاسلامی من اجل بلوره القیم المشترکه".

وفي ما يلي نص المقال :

بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع الذي أرید التطرق إلیه هو المبادئ الأخلاقیة العالمیة المرتبطة بالمجمع العالمي للتقریب بین المذاهب والأدیان. فالمحور والمبدأ للأدیان الإلهیة هو صناعة الإنسان، لکن ثمة فرق بین الأدیان والمدارس التربویة غیر الدینیة وهو أن تربیة الإنسان في المدارس التربویة قائم علی أساس صناعة الإنسان في المجتمع ودراسة تأثّره من التقالید الإجتماعیة. في حین أنّ الأدیان الإلهیة ترکّز في تربیة الإنسان علی معرفة الکون، کما ترکز علی الجوانب الفردیة والإجتماعیة معاً في معرفة الإنسان وتربیته. ففي الجانب الفردي یتربّی الإنسان علی أساس التربیة الإلهیة وتتمرکز حیاته حب الله وعبادته. اما من الناحیة الإجتماعیة فهو یری نفسه جزءاً من الکائنات والکینونة اللامتناهیة. لهذا لم تنظر إلی هذا الکون نظرة التلذذ والإمتاع ولا یتخذه وسیلة لأطماعه وأهدافه.
إن النظر إلی الکون من الناحیة الدینیة واتحاد الکینونة له آثار تربویة وأخلاقیة جمّة. ففي هذه النظرة لم یر الناس أنفسهم کنفس واحدة، وإنما یرون العالم الطبیعي أیضاً کجُزء منهم ولیس منفصلاً عنهم. ولهذا یتصالح الإنسان مع الطبیعة ولا ینشب أظفاره في هذا المجال الإلهي. اما القرآن فقد نجد المعرفة الإلهیة والأخلاق البشریة والإجتماعیة ممزوجة ببعضها بصورة لا یمکن التمییز بینها. مثلاً تقول الآیة 36 من سورة النساء: "وَ اعْبُدُوا اللّهَ وَ لا تُشْرِکُوا بِهِ شَیْئاً وَ بِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً وَ بِذِی الْقُرْبى وَ الْیَتامى وَ الْمَساکینِ وَ الْجارِ ذِی الْقُرْبى وَ الْجارِ الْجُنُبِ وَ الصّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَ ابْنِ السَّبیلِ وَ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ إِنَّ اللّهَ لا یُحِبُّ مَنْ کانَ مُخْتالاً فَخُوراً".
نلاحظ کیف تأمر هذه الآیة الإنسان وإلی جانب المعرفة الإلهیة، أن یُحسن إلی ذوي القربی، والمساکین، والجار ذو القربی، والجار ذو الجنب أي القاصي والداني، وأن یکرم القریب والبعید. لکن ما هي المبادئ الأخلاقیة العالمیة؟ فقد ذکر القرآن مراراً وتکراراً المبادئ الأخلاقیة العالمیة. وفي موضع منه یطلق عنواناً رائعاً وهي الحکمة. لکن قبل أن أقراء هذه الآیة علی مسامعکم الکریمة.
من الضروري الإشارة إلی هذه النقطة وهي أنّ القرآن الکریم وصف الرسول الأکرم بحامل الکتاب والحکمة. وهذا الوصف یأتي بسبب دعاء النبي إبراهیم سید الأنبیاء وأبو الأدیان التوحیدیة الذي یقول القرآن عن لسانه: "رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (البقرة: 129)
وقد استُجیب هذا الدعاء بحق النبي عیسی والرسول الأکرم. ولهذا بناء علی هذا الدعاء یقول عن عیسی (ع):"قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ / وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ. (آل عمران: 48)
اما عن النبي الأکرم فقد یقول: "لَقَد مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤمِنينَ إِذ بَعَثَ فيهِم رَسولًا مِن أَنفُسِهِم يَتلو عَلَيهِم آياتِهِ وَيُزَكّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كانوا مِن قَبلُ لَفي ضَلالٍ مُبينٍ".
وفي سورة الإسراء بعد أن یذکر القرآن إثني عشر أمراً أخلاقیاً یوصي الإنسان بالإلتزام بها ویقول:"ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ"
أن هذه الأحکام من الحکم التي أوحاها ربنا للرسول الأکرم. فقد تقول الآیة الکریمة صراحة أنّ هذه التعالیم من الحِکَم، ثم تقول: ذلك من ما أوحی علیك ربك من الحکمة.
إذن یقول القرآن للرسول الأکرم بأنك مأمور بتعلیم هذه الحکمة وکتاب الله وأوجب الله علیك تربیة الإنسان وتعلیم القیم الأخلاقیة التي أوحاها ربك ولا تفرط في أيٍ منها ولا تجعل مع الله إلهاً غیره. یبدو أنّ المقصود من الحکمة هي الأصول التي یحکم بها العقل بغض النظر عن تعالیم الشریعة. وقد یری حکماء الإسلام أنّ المبادئ الأخلاقیة هي اقتضاء العقل العملي وأطلقوا عنوان الحکمة العملیة علیها.
لهذا ما أرید قوله هو بما أننا أتباع الأدیان الإلهیة، یجب أن نتفق علی مجموع هذه المبادئ الأخلاقیة ونلتزم بها. حینها لم نواجه صراعاً فکریاً بیننا فحسب، بل یمکن أن تبلور هذه الأدیان مجموعة قیم ومبادئ أخلاقیة ونکوّن إتحاداً متکاملاً ونؤکد علی التعایش السلمي، وأن نکون معلم الأخلاق في عالم یخلو من الأخلاق والقیم الإنسانیة.
فقد یعاني العالم المعاصر من الإنحلال الأخلاقي، وأول خطوة في الأخلاق هي الإحترام المتبادل، فقد وضعت المسیحیة منظومتها الأخلاقیة بناء علی تعالیم السید المسیح (ع) التي تؤکد علی الإحترام والحب. ویجب علینا نحن کمسلمین أن ننتبه إلی أنّ نص القرآن لم یورد هذه المفردة وحدها، بل ثمّة کلمة أخری وردت في النص أکثر تأکیداً وهي "المودّة" فقد عُدّت المودة في العرفان الإسلامي کإحدی الأسماء الحسنی وأحد أسماء الله هو "الودود" الذي ورد في القرآن الکریم في سورة هود وفي قوله تعالی: "وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ".
أن الودود بصیغة المبالغة وردت في القرآن لتقول لنا أننا عباد الله یجب علینا أن نمحور حیاتنا حول محور الود. ودّ الآخر واکرامه، ودّ الجار القریب والبعید، ودّ المواطن، ومن یشارکنا في اللغة، والعرق، واللون، والإنسانیة، وکل ما یجمع الناس في عالم الود والإحترام. فالله الودود أمرنا بهذا الإجلال والإکرام وأن تتّسم کل شؤون حیاتنا بالمودة وأن نضع المودة المحور الذي یتمحور حوله أتباع جمیع الأدیان والمذاهب.