الوحدة لا تتحقق الا بشكل عملي
خاص بوكالـة أنبـاء التقريـب(تنـا)
في اطار التعامل العلمي والاكاديمي مع جامعات الدول الاسلامية الذي ينتهجه المجمع العالمي للتقريب انطلاقا من اهدافة الوحدوية، استقبل اية اللة الشيخ محمد علي التسخيري الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية وفدا اكاديميا من الجزائر يتألف من رئيس كلية الشريعة والقانون بالجامعة الجزائرية الاولى "الدكتورعمار مساعدي" ونائب رئيس جامعة الجزائر الاولى "الدكتور عزيز سلامي" مساء أمس الاثنين بطهران، واكد التسخيري بان الوحدة لا تتحقق الا بشكل عملي وبناء على ذلك لا يمكن توحيد الافكار، بل التقريب بين الافكار هو المصطلح الاصح مما يجعل الاختلاف بين الافكار شيئا طبيعيا "واذا استطعنا التقريب بين الافكار والقلوب لنجحنا تحقيق الوحدة في الموقف العملي؛ والمطلوب ان يبادر القائمون على مثل هذه النشاطات بالبحث عن المساحات الفكرية المشتركة مع من يخالفهم الرأي والفكر".
وفي ما يخص المذاهب الاسلامية، قال سماحته: المساحات المشتركة ربما تصل الى ٩٠% مقارنة بالاختلافات والتي تكمن في فروع الدين وليس الاصول، واذا عرف المسلمون كيف يختلفون عندها تصبح الاختلافات رحمة لكن اذا تحولت الاختلافات الى خلافات فهي نقمة وشقاق والفرقة والشرذمة بين المسلمين كفرا وعذابا، وفي هذا الشأن ايضا استدل سماحته بايات من القران الكريم [ ولا تكونوا كاللذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك لهم عذاب اليم (الانفال)] ، وفي سورة ال عمران [ يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما اللذين اسودت وجوههم اكفرتم بعد ايمانكم ] مؤكدا على ان "الفرقة تكاد تصل الى الكفر والعذاب".
واشار فضيلة الشيخ التسخيري الى العلاقات الودية التي تجمع بين الجزائر والجمهورية الاسلامية الايرانية وايضا الى المؤتمرات والملتقيات الاسلامية التي اقيمت برعاية الرئيس الجزائري "بوتفليقة" والتي شارك فيها بصفته امينا عاما للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية، ومن هذه المؤتمرات عرج سماحته على مؤتمر " ابو فراس الحمداني" الذي اقيم قبل خمس سنوات في الجزائر وشارك فيه بمحاضرة عن ابي فراس، وايضا "الملتقى الفكري الثامن"، معبرا عن امله بان يعيد الرئيس الجزائري هذه التجارب لما تترك آثارا ايجابية وفوائد تصب في صالح التقريب بين وجهات النظر وآراء العلماء والنخب الاسلامية، كما اشار سماحته الى المؤتمر المزمع عقده في الجزائر تحت عنوان " العولمة والدين " مؤكدا بانه سيسعى للمشاركة بهذا المؤتمر.
وردا على سؤال الدكتور مساعدي حول موقع اللغة العربية في الجامعات الايرانية قال سماحة التسخيري، أن اللغة العربية دخلت في الدستور الايراني بعد الثورة الاسلامية وهناك تاكيد على تدريسها في المدراس والجامعات الايرانية وقد استحسن الشعب الايراني هذه الخطوة العظيمة.، ومقارنة بما كانت عليه اللغة العربية في عهد الشاه البائد، قال التسخيري " في ذلك الوقت كانت الحكومة الشاهنشاهية تعارض تعليم اللغة العربية بشكل اكاديمي وعلمي لكي لا يتعلم الايرانيون قراءة القران الكريم وتعاليمه. لكن في الوقت الحاضر شهد المجتمع الايراني نهضة قرآنية تدعمها جميع الجهات الحكومية في ايران وعلى رأسهم سماحة الامام القائد السيد على الخامنئي، حيث تقام في ايران مسابقات قرانية في المناسبات الاسلامية كشهر رمضان المبارك. كما يشارك القر اء الايرانييون للقرآن في مسابقات القران الكريم خارج ايران كمكة ومصر والعديد من البلدان العربية والاسلامية وقد حازوا على اعلى المستويات".
كما اشار سماحته الى الجهود التي تبذل لتحفيظ القران الكريم في المدارس والجامعات الايرانية واكد انه نظرا الى هذه النشاطات يمكن القول بان مستوى اللغة العربية في المراكز الاكاديمية والمدارس الايرانية جيد، معتبرا ان عملية النهضة والاصلاح بعد انتصار الثورة الاسلامية لم تنحصر في الجانب الديني فقط بل شملت كافة الجوانب والاصعدة في المجتمع الايراني، ومنها يمكن الاشارة الى جانب الاعلام والفن، فكانت حكومة الشاه تستخدم الاعلام والسينما لترويج الدعارة والتحلل، وبعد انتصار الثورة الاسلامية اتخذ المسؤولون المعنيون قرارا يمنع احتواء الأفلام والمسلسلات على مشاهد جنسية وان تكون الافلام والنتاجات السينمائية هادفة وتسعى الى حل المشاكل بما فيها المشاكل الاجتماعية؛ ورغم كل التحديات نرى ان السينما الايرانية حصدت ولا تزال جوائر قيمة في المهرجانات السينمائية المشهورة عالميا مثل مهرجان "كان" السينمائي وغيره.
وبخصوص الجامعات اشار سماحته الى الثورة الثقافية التي تجري حاليا لاصلاح التعليم العالي وابعاده عن الافكار الفراماسونية التي تعشعشت خلال العهد البهلوي بين الاساتذة وحتى طلاب الجامعات. " لذلك راى المسؤولون المعنيون في البداية أنه لا خيار أمامهم سوى تعطيل المراكز الاكاديمية لفترة مؤقتة وتغيير الكوادر والمناهج التعليمية؛ وبذلك يمكن لنا ان نطمئن بان الجو الجامعي اليوم معقول ومقبول".
وتطرق اية الله التسخيري الى الفتن المذهبية التي يثيرها اعداء الشعب الايراني بين ابناء المذاهب الاسلامية، وفيما اشار الى أن الأحناف في المذهب السني يقطنون في المناطق الشرقية للبلاد والشوافع في المناطق الغربية تناول العملية الارهابية التي اودت بحياة الابرياء خلال اقامتهم مراسم دينية في احدى المواكب الاسلامية جنوب ايران الثلاثاء الماضي لافتا الى أن اعضاء جماعة ( جند الله) الارهابية التي تنسب نفسها الى اهل السنة هم الذين نفذوا هذه الجريمة البشعة " لكن الجميع يعرف بان اخواننا السنة براء عنها وهي عصابة ارهابية مرتبطة بالمخابرات الأميركية"، وعبر سماحته عن اسفه للازدواجية التي تنتهجها الدول الغربية في وسائل اعلامها " فمن ناحية يدعون محاربة الارهاب ومن ناحية اخرى يدعمون تلك العصابات لاثارة الصراعات بين الشعوب؛ والكل يعرف ان امريكا هي التي جاءت بنظام طالبان في افغانستان وساهمت في تاسيس القاعدة تحقيقا لمآربها وهي التي عارضت تلك العصابات وفقا لمصالحها ايضا".
وفيما يتعلق بالجانب الاقتصادي تطرق سماحة الشيخ التسخيري الى المخزون الغازي الذي تمتلكه كل من الجزائر وايران ودعا الى ضرورة الاهتمام بالجانب الاقتصادي معتبرا أن الاسلام وربنا عزوجل يولي أهمية لهذا الجانب فتؤكد الآيات الكريمة: " [اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً ... لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْأَنهَارَ ..... وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ] "، ان الباري تعالي منح الانسان كل ما يحتاج اليه لكن الانسان لا يتصرف بطريقة سليمة تجاه هذه النعم حيث يقول جل من قائل : [إن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفّار (ابراهيم:٣٤) ] "، وقال: من سياق هذه الايات نعرف بان القصد من الظلم هنا هو الظلم في التوزيع للنعم والكفر هو الكفر بالنعمة مما يؤدي الى ضياع الانسان.
واضاف قائلا: لو عرفنا ما منحنا الله من قدرات وطاقات طبيعية ثم التزمنا بالتوزيع العادل لهذه الطاقات والنعم لما عشنا الحالة السيئة التي نمر بها، فنحن اليوم اصبحنا افقر المجتمعات والدول التي يتفشى الجهل والأمراض فيها ومع الاسف نسير خلف ركب الحضارة في حين كان حري بنا ان نكون الامة النموذجية و"امة شاهدة" [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا(البقرة ١٤٣) ]، نسأل الله أن يوفقنا للوعي اولا ثم للعمل بالاسلام وثم للتقدم وخدمة الانسانية وان يجعلنا الله شهودا على الناس لنقود الحضارة لا ان نسري خلف الحضارة".
على صعيد اخر اشار اية الله التسخيري الى الزيارة التي ينوي الوفد الاكاديمي القيام بها لمحافظة قم المقدسة معتبرا انها مهمة جدا، باعتبار أن مدينة قم مركزا للعلوم الاسلامية تحتضن ما يقارب اربعمائة الف طالب للعلوم الدينية قادمين من تسعين دولة ويقيم فيها كبار العلماء والمراجع.
من جانبهما اكد الضيفان بان زيارة هذه المدينة العلمية واللقاء بعلمائها ومراجعها كانت امنية لهم، واشاد الدكتور مساعدي بالمشاركات الكثيرة لسماحة اية الله التسخيري في الملتقيات والمؤتمرات الاسلامية في كافة ارجاء العالم الاسلامي والعربي ومنها الجزائر لدعم مبادرات لم شمل الامة قائلا : " ان الجزائريين يحملون لكم كل الود والمحبة خاصة وانتم تترأسون مجمع التقريب الذي يعمل على تعزيز التعاون في العالم الاسلامي ونبذ الفتن التي لسنا بحاجة اليها ".
وفي بداية اللقاء رحب سماحة التسخيري بضيفيه الجزائريين متمنيا لهم اقامة سعيدة في بلدهم الثاني ايران، وعبر عن سروره للتطور الذي شهده الاقتصاد الجزائري خلال السنوات الاخيرة، وحضر الاجتماع الدكتور تبرائيان نائب الامين العام للمجمع العالمي للتقريب للشؤون العلمية والاكاديمية وعدد من المستشارين والمسؤولين في المجمع، اضافة الى شخصيات اكاديمية وعلمية من الجامعات الايرانية، كما قدم سماحته في نهاية اللقاء هدايا تذكارية من الصناعات اليدوية الايرانية وعددا من الكتب والمجلات الصادرة عن المجمع الى اعضاء الوفد الاكاديمي مخاطبا اياهم " ارجو ان تكونا رسولي سلام ومحبة واخوة الى الشعب الجزائري ".