الشیخ مصطفی ملص : الاختلاف سنة الله في خلقه وعوامل الاختلاف هي عوامل صحية في المجتمعات

الشیخ مصطفی ملص : الاختلاف سنة الله في خلقه وعوامل الاختلاف هي عوامل صحية في المجتمعات

قال رئيس اللقاء التضامني الوطني في لبنان "الشیخ مصطفی ملص"، ان  "الله عزوجل بيّن بأن الاختلاف والتنازع سنة الله في خلقه، فهو خلقهم مختلفين رغم كثرة المشتركات بين بني البشر"؛ مبينا ان "عوامل الاختلاف هي عوامل صحية في المجتمعات المتعددة وأيضا في المجتمع الواحد لأن الاختلاف والتنوع يؤديان إلى التكامل في النظرة السليمة إليهما وليس كما يفهم ضيقو الأفق الذين لايرون أبعد من أنوفهم ويريدون أن يكون الناس على فهم واحد ورؤية واحدة يقادون كما يقاد القطيع".


الشيخ ملص قال ذلك في كلمته خلال الاجتماع الافتراضي لمؤتمر الوحدة الاسلامي الـ 37 الذي اقيم اليوم بمشاركة كوكبة من العلماء والمفكرين من ايران ومختلف بلدان العالم.
ونوه رجل الدين اللبناني، بالدور الايجابي لمؤتمرات الوحدة الاسلامية التي تقام سنويا برعاية المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية في سياق لم شمل المسلمين؛ قائلا : يسعدني أن أشارك في هذا المؤتمر العزيز على قلوبنا .. ولا يسعني أن أتحدث دون أن أقف عند ذكرى رجلين عظيمين من رجال مجمع التقريب كانا علمين كبيرين من أعلامه وهما سماحة "آية الله الشيخ محمد واعظزاده خراساني"، و"آية الله الشيخ محمد علي التسخيري" رحمة الله عليهما.
كما تطرق الى "موضوع الحرية الفكرية والدينية وقبول الاجتهاد المذهبي"، مبينا : لقد أرسل الله سبحانه وتعالى رسلا مبشرين ومنذرين، فكان خطاب الله سبحانه وتعالى للبشر عبر الأنبياء والكتب التي أنزلت عليهم، هو خطاب تبيين وتصحيح ودل هذا الخطاب في القرآن الكريم على أن الرسل مجرد رسل تبليغ وبيان وإقناع، وليس رسل فرض وإكراه وإجبار، ومهمتهم الإرشاد والتوجيه، وللناس حرية الرفض والقبول مع تحمل نتائج خياراتهم التي يختارونها.
واضاف : ان معظم الأنبياء كما هو مذكور في القرآن الكريم، لم يكونوا مقاتلين ولا قادة جيوش ماخلا داوود (عليه السلام) الذي ورث الملك بعد أن فتك بخصمه جالوت، وبقية الأنبياء كانوا يلجأون بعد فشلهم في إصلاح مجتمعاتهم إلى الله سبحانه وتعالى لينزل العقوبة على مستحقيها من الكفار الذين لم يكن إنكارهم إنكارا نظريا فقط، بل كان في تمسكهم بأفعالهم السيئة التي يؤثر سوؤها في مجتمعاتهم.
وتابع : فنوح عليه السلام [دَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ] وموسى عليه السلام فر بقومه من فرعون وجيشه الذين أبوا أن يخلوا السبيل لموسى ليذهب بقومه [فأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ ٱلۡيَمِّ مَا غَشِيَهُمۡ وَأَضَلَّ فِرۡعَوۡنُ قَوۡمَهُۥ وَمَا هَدَىٰ].
واستطرد الشيخ ملص : في الإسلام جاءت الآيات والأوامر الإلهية بعدم الإعتداء مطلقا، وفي حال تعرض المؤمنون للإعتداء فقد أبيح لهم الدفاع عن أنفسهم لحمايتها ولحماية الجماعة المؤمنة، حيث قال الله تعالى : [لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ]، وقال أيضا [لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ]، ولا يُقبل ممن أُکره على الإسلام عمل مهما كان هذا العمل، طالما أن هذا المُكره لا يؤمن بالله ورسوله؛ فالقاعدة إيضا هي الإيمان بالقناعة وتسليم بصدق الرسول والرسالة وفي حال لم تحصل هذه القناعة فليس للمسلم على غير المسلم شيء ويُترك لما يُؤمن به من عقيدة أو دين كما قال تعالى: [قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ].
وتساءل قائلا : فإذا كان الأمر كذلك مع منكري الرسالة والكافرين بها، فما هو حال المختلفين في الفهم والفقه والرؤية ضمن الدين الواحد وبين أتباع المعتقد الواحد الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا بموجب تكليفهم القرآني الذي أوجب عليهم التفكر والتعقل والتدبر في فهم الدين ونصوصه وآياته وأحكامه؟!
ومضى الى القول، ان "الحقيقة هي أن تجارب الناس والأمم والمتجمعات مختلفة والتجربة الإسلامية تحمل من الدلالات والشواهد على حرية التفكير والاجتهاد ما جعل التراث الديني الإسلامي من أغنى وأوسع وأعظم ما يمكن تخيله، والمنطلق أو المرتكز الأساسي لهذا التراث الواسع هو النص القرآني.
واوضح : حينما نقول أن في التراث الإسلامي مئات المذاهب الفكرية والفقهية فهذا لا يعني أن المذاهب التي عرفها الإسلام هي المذاهب الثمانية التي نعرفها في هذا اليوم، بل هناك المئات من المذاهب التي إندثرت لعوامل كثيرة لا مجال لذكرها، إندثرت في التعامل بين الناس ولكنها بقيت في طيات الكتب والمراجع؛ مردفا : وإذا كان ذلك قد صح بالنسبة للأولين فليس هناك ما يمنع من صحته للمتأخرين وإلى قيام يوم الدين وإذا كان الرأي يستند إلى العقل والدليل والمنطق فلا يعني هذا القطع بصحته فما يصح عند فلان قد لا يصح عند سواه وما ثبت من دليل لدى بعضهم قد لا يثبت عند غيرهم ولكن عندما نناقش المسئلة فإننا نستطيع أن نتهم الدليل ونتهم الفهم ولكن لا يقبل منا أن نتهم النوايا والمقاصد.
واكمل الشيخ ملص : طالما أن المسلمين يسلمون بوجود المذاهب الاجتهادية على تعددها، فمن المنطقي أن يقبل بعضهم بعضا وأن يقروا بحق الآخرين في أن تكون لهم رؤتهم في الدين ومسائله ورؤيته لأهدافه وتاريخه، وعلى كل جيل أن ينظر في أمر الدين وأن يفكر ويتدبر ويسعى للمواءمة بين الدين والواقع وأن لا يقتصر على إعتماد ما نُقل دون البحث في مدى صوابيته ومواءمته للعصر.