وصايا الامام الخميني(قدس) في استقبال شهر رمضان المبارك
جاء في وصايا وتوجيهات الامام الخميني(قدس) في الاستعداد لضيافة الله تعالى: ان شهر رمضان المبارك من أعظم الشهور عند الله، ايامه ولياليه رائعة جدا وتبعث الروح في النفس الانسانية.
وتلاعب نفحاته المباركة الروح والنفس لتغرقها في بحر اللذائذ الروحية والمعنوية، وقد كانت عظمة وكرامة هذا الشهر الفضيل سببا لان يتلظى قلب رسول الاسلام صلى الله عليه وآله وسلم والائمة الاطهار عليهم السلام انتظارا لإشراقة هذا الشهر المبارك، وتغشاهم مشاعر النشاط والشوق، تزامنا مع دخولهم في هذا الشهر الفضيل، استعدادا لاقصى درجات التزود من لحظاته المباركة.
ویبذل اهل الایمان تاسیا بقادتهم وائمتهم لكسب المعارف والافكار اللازمة حول عظمة ومكانة شهر رمضان المبارك واثار صیامه قبل حلوله، والسعي لتهیئة ارضیة الانتهال من معین اثاره الروحیة ولحظاته السحریة الرائعة .
ان فهم شهر رمضان وادراك عظمته وارتشاف جرعة من معینه الصافي له علاقة كبیرة لدفع النفس الانسانیة نحو المراحل المتقدمة للكمال والتقرب من الله تعالى ومن الطبیعي لا یدرك كل هذا، من حرم معرفة وفهم وادراك فضل هذا الشهر العظیم وفي الحقیقة فانه كالمیت یتحرك بین الاحیاء.
وطبقا لقول الرسول الاكرم صلى الله علیه وآله وسلم وحسبما ورد في الخطبة المنسوبة الیه(ص)، فان عباد الله كافة، تمت دعوتهم في شهر رمضان المبارك الى ضیافة الله تعالى، وان مضیفهم هو الله تبارك وتعالى: «ایها الناس انه قد اقبل الیكم شهر الله .. دعیتم فیه إلى ضیافة الله»، فهیئوا أنفسكم لهذه الضیافة العظیمة.. فما علیكم في هذه الایام القلائل التي تفصلنا عن شهر رمشان المبارك إلا أن تفكروا في اصلاح انفسكم والتوجه الى بارئكم.. استغفروا الله من افعالكم وأقوالكم التي لا تلیق. وإذا كنتم قد ارتكبتم -لا سمح الله- ذنبا فتوبوا إلى الله قبل الدخول في شهر رمضان المبارك. عودوا ألسنتكم على ذكر الله ومناجاته.. إیاكم أن تصدر منكم غیبة أو تهمة أو نمیمة او أي ذنب في هذا الشهر وان تدّنسوا أنفسكم بالمعاصي وتسیئوا آداب الضیافة وانتم ضیوف الله سبحانه. لقد دعیتم في هذا الشهر الفضیل الى ضیافة الحق تعالى: «دعیتم فیه الى ضیافة الله» فهیئوا أنفسكم لهذه الضیافة العظیمة. فكما تمسكون البطن عن الطعام والشراب فامسكوا عیونكم وألستنكم عن المعاصي. عاهدوا أنفسكم من الان على أن تكفوا اللسان عن الغیبة والتهمة والكذب والاساءة واخرجوا من قلوبكم الحسد والحقد وسائر الصفات الشیطانیة القبیحة. وكونوا حذرین دائما وملتفتین الى الحكم الشرعي للاعمال التي تنوون القیام بها والقول الذي تریدون ان تنطقوا به والموضوع الذي تستمعون الیه. واذا رایتم شخصا یرید ان یغتاب، حاولوا ان تردعوه وقولوا له: لقد تعهدنا ان نجتنب المحرمات في هذا الشهر. وإذا لم تستطیعوا منعه من الاغتیاب.. اتركوا المجلس، فلا تجلسوا تستمعوا الیه، إذ یجب أن یأمن المسلمون جانبكم. ومن لا یأمن المسلمون یده ولسانه وعینه فهو في الحقیقة لیس بمسلم. إنما هو مسلم في الظاهر والاسم، وینطق بـ«لا إله إلا الله» فحسب. فاذا اردتم - لا سمح الله- أهانة احد من المسلمین واغتیابه والمساس بكرامته فاعلموا أنكم في محضر الربوبیة وفي ضیافة الله تبارك وتعالى وانكم بمحضره تسیئون الادب مع عباده، وان أهانة عباد الله هي بمثابة إهانة الله تبارك وتعالى.
ان عباد الله كافة تمت دعوتهم في هذا الشهر الى ضیافة الله تعالى، وان مضیفهم هو الله تبارك وتعالى وینبغي للضیف قبل الدخول الى هذه الضیافة الربانیة، ان یكون عارفا بالمضیف، مدركا لمقامه من خلال اطلاعه على عادات وتقالید المجلس ویحرص أن لا یصدر عنه ما ینافي الاخلاق ویسيء الیها. ومن الطبیعي ان مفهوم هذه الضیافة یختلف عن الضیافة المادیة والاكل والشرب، انها ضیافة روحیة ومعنویة، ولهذا یجب غسل ادران الذنوب والمعاصي لنكون اهلا لبلوغ عنایة وانوار المضیف.
ومنذ لحظة تلبیة هذه الدعوة الكریمة، ینبغي التحلي بالاداب والاخلاق التي تجعلنا اهلا لنیل رحمة وعنایة الله تبارك وتعالى، فالصوم لا یعني الامساك عن الطعام والشراب فحسب، بل ینبغي التمسك باحكام الله تعالى والعمل بالواجبات واجتناب المعاصي ایضا، فحاولوا ان لا یكون صومكم مقرونا باقتراف الذنوب، وفیما عدا ذلك وعلى فرض ان صیامكم كان صحیحا من الناحیة الشرعیة، فانه لن یقبل ولا یرفع الى الله تعالى، لان ارتفاع الاعمال الى الله سبحانه وقبولها لدیه جل وعلا، یختلف كثیرا عن صحتها الشرعیة.
اما الذنوب والمعاصي فهي تشمل على الغیبة والتهمة الاساءة والحقد والبهتان والاستهزاء وبث التفرقة والفتنة والنفاق و... . وینبغي ان یشتمل الصوم جمیع جوارح الانسان وان یحفظ الصائم لسانه، ویغض عما لا یحل النظر الیه بصره وعما لا یحل الاستماع الیه سمعه من ذكر عیوب الاخرین او الكلام البذيء وتتبع عورات الاخرین فضلا عن الالتزام بجمیع الاحكام والمعاییر الشرعیة والاخلاقیة واجتناب الاعمال المحرمة والابتعاد عن المعصیة والفسوق.
ان اهمیة الابتعاد عن هذا النوع من المعاصي والذنوب تنسحب على الساحة السیاسیة ایضا، وان الاشخاص والتیارات والتكتلات والاحزاب السیاسیة التي تنعدم فیها الاخلاق فانها تتهم منافسیها بسرعة وبسهولة، بالأكاذیب والافتراءات والغیبة والنمیمة والاغواء السیاسي وغیرها من المعاصي والذنوب التي لها صبغة سیاسیة ولا هدف لها الا السیطرة وكسب السلطة والسمعة، على حساب انتهاك كل مبادیء واسس الایمان والقیم الاخلاقیة.
وركز الامام الخمیني كثیرا على أهمیة موضوع ترك المعاصي والذنوب كشرط للدخول في الحضرة الالهیة ولهذا صرح حول هذا الموضوع قائلا:
یجب ان یأمن المسلمون جانبكم ومن لا یأمن المسلمون یده ولسانه وعینه فهو في الحقیقة لیس بمسلم. إنما هو مسلم في الظاهر والاسم. ان هذه العبارة تأكید على ضرورة رعایة «الاخلاق الاجتماعیة» وفي جمیع الابعاد والمجالات الثقافیة منها والسیاسیة والحكومیة لان الشعب الذي یرى الاخلاق الاجتماعیة مسؤولیة للغیر فانه بالاضافة الى عدم رعایة هذه الاخلاق فانه لا یتهاون في ارتكاب المعاصي والذي سینعكس اثاره على لیس على نفسه فقد وانما على العناصر الثقافیة والسیاسیة الحكومیة وتنسحب صفات الكذب والافتراءات والاهانة واثارة الفتنة على نطاق واسع بالمسائل المتعلقة بالادارة الاستراتیجیة. ان هذه العبارة تستند الى حدیث الرسول الاكرم (ص) حیث یقول: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ویده.. ان هذا الحدیث الشریف یخاطب جمیع افراد المجتمع وفي كل مهنة وفي كل المستویات الاجتماعیة والاقتصادیة والسیاسیة بضرورة التحلي الانسان بالایمان والتقوى والاخلاص والصداقة لیكون موضع امان -على الاقل - للمسلمین ولا یتطرق بلسانه او بیده الى الاساءة لافراد المجتمع ویثیر الفتن والافتراءات والاكاذیب في المجتمع .. والا فانه سیخرج من حظیرة الاسلام ویجلب لنفسه العذاب الالهي، لان الاسلام لا یعني فقط الامور العبادیة، بل ان من أهم ابعاده واثاره التي لا تقل عن العبادة أهمیة هي رعایة الاخلاق والمعاییر والقیم الاجتماعیة والا فانه سیخرج من دائرة المسلمین.
واخیرا فان واحدة من الطرق لتحقیق قبول الصیام هي الامتثال الدقیق والكامل لجمیع المعاییر الاخلاقیة الشخصیة والسیاسیة والاجتماعیة، التي یجب التعهد امام الله تعالى بالالتزام بها قبل حلول شهر رمضان المبارك، لیكون خلال شهر رمضان مراقب للنفس وامان من الوقوع في المعاصي وعدم الاعتداء على الحیاة الشخصیة والاجتماعیة للاخرین والابتعاد عن انتهاك كرامة وسمعة الابریاء من عباد الله الصالحین، وعدم بیع دیننا لاجل الوصول الى الشهرة والسلطة والمال، للمستكبرین الذین یتسترون بقناع الدین لتنفیذ ممارساتهم الباطلة واعتقاداتهم الواهیة وتحت اسم الاسلام والاحزاب والتیارات السیاسیة وصولا لاغراضهم واطماعهم الخاصة.