المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية - الشؤون الدولية
نهضة الحسين فـي رؤية السيد القائـد : العقلانية والحماسة والعاطفة
نهضة الحسين فـي رؤية السيد القائـد
العقلانية والحماسة والعاطفة
يرى الإمام الخامنئي أن نهضة الإمام الحسين ذات ثلاثة عناصر:
العقلانية: ويقصد بهذا العنصر أنّ هذه النهضة تقوم على أساس دعوة القرآن والسنّة لتحمّل الإنسان مسؤوليته مهما بلغت التضحيات. وكان الإمام يرى بعقلانية أن الظروف تستدعي أن ينهض بمسؤوليته باعتباره إنسانًا.. ومسلمًا.. وإمامًا.
الحماسة: وهي اقتران الحركة الجهاديّة بالعزّة. مواقف الحسين مفعمة بالعزّة في أشدّ ما واجهه من ظروف، فلم يتراجع عن موقفه قيد أنملة رغم كل ما واجهة من قسوة الظالمين.
العاطفة: أي إن نهضة الحسين دخلت في الوجدان الشعبي وامتزجت حوادثها بعواطف الأمة فاقترنت بذرف الدموع وإقامة مجالس العزاء فكان ذلك من أسباب خلودها على مرّ الاجيال.
يقول السيد القائد:
العناصر الثلاثية
"إنَّ لنهضة الإمام الحسين (عليه السلام) ثلاثة عناصر هي: المنطق والعقل، والحماسة المشفوعة بالعزة، والعواطف ".
عنصر المنطق والعقل
إنّ عنصر المنطق والعقل في هذه النهضة يتجلّى من خلال كلمات ذلك العظيم. فكل فقرة من كلماته النيّرة التي نطق بها (عليه السلام)، قبل نهضته عندما كان في المدينة والى يوم شهادته، تُعرب عن منطق متين، خلاصته: إنّه عندما تتوفر الشروط المناسبة يتوجَّب على المسلم تحمّل المسؤولية، سواء أدّى ذلك الى مخاطر جسيمة أم لا.
وإنَّ أعظم المخاطر تتمثل في تقديم الإنسان نفسه وأعزاءه وأهل بيته الى أرض المعركة وفي معرض السبي قربة لله.
إنَّ مواقف عاشوراء هذه أصبحت أمرًا طبيعيًا عندنا لكثرة تكرراها، مع أنَّ كل موقف من هذه المواقف يهزّ الأعماق.
بناءً على ذلك، عندما تتوفر الشروط المتناسبة مع هذه المخاطر، فعلى الإنسان أن يؤدي واجبه، وأن لا يمنعه عن إكمال مسيرته التعلقُ بالدنيا والمجاملات وطلب الملذات والخلود الى الراحة، بل عليه أن يتحرّك لأداء الواجب.
ولو تقاعس عن الحركة، لنتج عن ذلك تزلزلٌ في أركان إيمانه وإسلامه، "قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله): من رأى سلطانًا جائرًا مستحلاً لحرم اللَّه ولم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّا على اللَّه أن يُدخله مُدخله".
هذا هو المنطق، فلو أن أصل الدين تعرض الى خطر ولم يُغيّر ذلك بقول أو فعل، كان حقًا على الله أن يبتلي الإنسان اللاأبالي والغير ملتزم بما يُبتلى به العدو المستكبر والظالم.
لقد بيّن الإمام الحسين (عليه السلام) هذه المسؤولية من خلال كلماته المختلفة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وفي أماكن كثيرة خلال مسيره، وبيّن ذلك في وصيته الى أخيه محمد بن الحنفية .
كان الإمام الحسين (عليه السلام) على علم بعاقبة هذا الأمر، وينبغي أن لا يُتصور أنَّ الإمام (عليه السلام) علّق آماله على نيل السلطة وتحرك من أجلها، وإن كانت هذه السلطة من الأهداف المقدسة، كلا، فليس هناك ما يستوجب علينا أن نعتقد بذلك؛ لأنَّ عاقبة هذا الطريق متوقعة وواضحة طبق الحسابات الدقيقة للإمام الحسين (عليه السلام) والرؤية الإمامية، إلا أنَّ أهمية المسألة تتأتى من هذا الجانب، وهو أنّ ما قدّمه الحسين على عظمته وسموّ مكانه من تضحية كبرى يعتبر درسًا عمليًا بالنسبة للمسلمين الى يوم القيامة، وليس درسًا نظريًا يُكتب على لوحة الكتابة ثم يُمحى، كلا، فقد خُطَّ هذا النهج بأمر إلهي على صفحات جبين التاريخ، وأدى ثماره الى يومنا هذا.
إنّ نهضة الإمام الخميني (قدس سره) في محرم عام 1962م استُلهمت من ثمـار التطبيق العملي لدرس عاشوراء، وكذلك في محرم 1978م استلهم إمامنا العزيز نهضته منها حيث قال: "لقد انتصر الدم على السيف"
وأدّت هذه الحادثة التاريخية الفريدة الى انتصار الثورة الإسلامية.
هذا ما تحقق في عصرنا، وأمام أعيننا، وإنَّ راية الفتح والظفر التي حملها الإمام الحسين (عليه السلام) ماثلة للشعوب على مرّ التاريخ، ولابد أن تكون كذلك في المستقبل، وهو ما سوف يكون إن شاء الله تعالى، هذا جانب المنطق العقلائي والاستدلالي لحركة الإمام الحسين (عليه السلام).
بناءً على ذلك، لا ينحصر تفسير نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) بالجانب العاطفي، فهذا الجانب غير قادر على تفسير جوانب الواقعة لوحده.
الحماسة
العنصر الثاني: الحماسة؛ أي أنَّ العملية الجهادية الملقاة على عاتقنا، يجب أن تقترن بالعزة الإسلامية؛ لأنَّ؛ ﴿لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾، وعلى المسلمين أن يحافظوا على عزّتهم وعزّة الإسلام، ولابد أن يتحلّى الإنسان المسلم بسمات الشموخ والعزة في أشد الأزمات.
لو أننا نظرنا الى الصراعات السياسية والعسكرية المختلفة في تاريخنا المعاصر، سوف نجد حتى أولئك الذين كانوا يحملون السلاح ويخوضون الحروب، يُعرِّضون أنفسهم أحيانًا الى مواقف الذلّة، إلا أنَّ هذه المسألة ليس لها وجود في فلسفة عاشوراء، فعندما يطلب الإمام الحسين (عليه السلام) أن يمهلوه ليلة واحدة، يطلبها من موقع العزّة، وحينما يقول: "هل من ناصرٍ ينصرنا" فإنه يطلب النصرة من موقع العزّة والاقتدار، وعندما تلتقي به الشخصيات المختلفة في الطريق بين المدينة والكوفة، ويتكلم معهم ويطلب النصرة من بعضهم، لم يكن ذلك من موقع الضعف وعدم القدرة. وهذا أحد العناصر البارزة في نهضة عاشوراء.
ينبغي أن يُطبّق عنصر الحماسة المشفوع بالعزّة في جميع الحركات الجهادية المدرجة في جدول أعمال سالكي طريق النهضة الحسينية، وأن تكون جميع الحركات الجهادية ــ سواء كانت سياسية، أو إعلامية، أو المواقف التي تستدعي التضحية بالنفس ــ منطلقة من موقف العزّة.
انظروا الى شخص الإمام الخميني (رض) في يوم عاشوراء عندما كان في المدرسة الفيضية. فقد كان رجل دين, ولم يكن يمتلك شيئاّ من القوة العسكرية, أو أي شيء من هذا القبيل، إلا أنّه كان يتمتع بشخصية لها من العزّة بحيث يركع العدو صاغرًا لقوة بيانه، هذه هي مكانة العزّة.
هكذا كان الإمام الخميني (رض) في تلك الظروف، وحيدًا فريدًا، ليس له عدّة ولاعدد، إلا أنّه كان عزيزًا، وهذه هي شخصية إمامنا العظيم.
نشكر الله تعالى أن جعلنا في زمان تمكنّا فيه أن نرى تجسيدًا لما كنَّا نردده ونقرأه ونسمعه كثيرًا عن واقعة كربلاء.
العاطفة
العنصر الثالث: العاطفة؛ أي أنّه قد أصبح للعاطفة دور مميز في واقعة كربلاء وفي استمرارها، ممّا أدّى إلى تميّز النهضة الحسينية عن النهضات الأخرى ، فواقعة كربلاء ليست قضية عقلية جافة ومقتصرة على الاستدلال المنطقي، بل قضية اتّحد فيها الحب والعاطفة والشفقة والبكاء.
إنَّ الجانب العاطفي جانب مهم؛ ولهذا أُمرنا بالبكاء والتباكي واستعراض مشاهد المأساة.
لقد كانت زينب الكبرى (عليها السلام) تخطب في الكوفة والشام بقوّة وشجاعة، إلا أنها في نفس الوقت تقيم مآتم العزاء، وقد كان الإمام السجاد (عليه السلام) بقوته وصلابته ينزل الصواعق على رؤوس بني أمية عندما يصعد المنبر، إلا أنه كان يعقد مجالس العزاء في الوقت نفسه.
إنَّ مجالس العزاء مستمرة الى يومنا هذا، ولابد أن تستمر الى الأبد لأجل استقطاب العواطف، فمن خلال أجواء العاطفة والمحبة والشفقة يمكن أن تُفهم كثير من الحقائق، التي يصعب فهمها خارج نطاق هذه الأجواء».
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية - الشؤون الدولية