إيران وسوريا يداً بيد في المسيرة الوحدوية
الملتقى العلمائي الإسلامي و آفاق الوحدة و المواطنة في أرض الشام
تكاد تخرج أرض الشام من محنتها و تنتهي قريبا -بإذن الله -الحرب الدامية التي استمرت ثمان سنوات.
و سوريا الآن شعباً و حكومة -و لاسيما مؤسستها الدينية- هي اليوم أمام مسؤولية كبرى في المرحلة الراهنة ألا و هي "بناء الوعي الديني الحضاري الوسطي البعيد عن الإرهاب و التكفير" .
والحق يقال أن تلك المؤسسة قد لعبت خلال الحرب دورا هاما في مواجهة الإرهاب والفكر المتطرف، وقدمت شهداء من العلماء الأفاضل من ديانات ومذاهب مختلف .
سوريا و مكوناتها الدينية
يتشكل فسيفساء الدولة السورية من الوان متنوعة دينياً و مذهبياً و قومياً ولا تزال رغمّ المآسي التي المّت بها تكرس ثقافة التعايش السلمي وهي الثقافة السائدة فيها.
النسيج الفكري و الروحي في سوريا و العلاقات الاجتماعية بعيدة عن التعصب الطائفي المقيت الذي يفرّق و لايجمع، غير أنّ الجهات الأجنبية التي كانت ترى هذه الوحدة مانعاً أمام تحقيق مآربها الشيطانية حاولت أن تغذي هذه الحرب بسلاح الطائفية و أن تضع بين مكونات الشعب إسفين الخلاف و تغري وتصنع بينها شروخاً كبيرة .
سوريا منارة الوحدة الإسلامية
لاننكر دور الأزهر الشريف ثقافياً و فكرياً و دينياً في العالم الإسلامي ، و نعتقد أنّ وجود هذه المدرسة الفكرية المعطاءة، يقدّم الكثير من الخير و البركات الدينية للأمة، لكن كنّا نطمح فيه أن يكون على مستوى تاريخه و رجالاته العملاقة و موقعه الاستراتيجي في قضية الوحدة الإسلامية،
و أن تستمر مشيخة الأزهر في المضي بمسيرة الشيخ شلتوت رحمه الله التقريبية و أن يؤدّي الأزهر أدوارا ريادية في لمّ الشمل و توحيد الأمة لكنّ مع الأسف الشديد لم يتحقق ذلك…
فاليوم تتجه الأنظار نحو سوريا و دورها المنشود في تحقيق القيم الإنسانية و الدينية التي تحقق السلام و الوحدة و الوئام .
المؤسسة الدينية السورية وريثة عباقرة الفكر الإسلامي المعاصر مثل العلامة الشهيد سعيد رمضان البوطي و العلامة كفتارو و الشيخ رجب ديب و غيرهم من رجال الفكر و التصوف ،و قد آن الأوان لتعود المرجعية الدينية التي سرقت و نهبت من قبل الوهابية إلى أهلها و روادها الأصليين.
سوريا حكومة و شعباً ابلت بلاء حسناً و استطاعت أن تتجاوز حرباً من أشد أنواع الحروب تعقيداً و أصعبها على طول التاريخ البشري ،و اكتسبت-من خلال هذه المحنة – تجربة فريدة في مواجهة المؤامرات الكونية التي تستهدف نسيجها الاجتماعي و الديني و المذهبي.
إذا اعتبرنا الحرب المفروضة على سوريا مرحلة مخاض عسير فمن الضروري أن يتولد من رحم هذه المأساة الإنسانية الأليمة مولوداً مباركاً يمنح سوريا التعايش و الوحدة و المواطنة.
و هنا دور علماء الدين الربانيين الواعين في سوريا فإنّ لهم واجب وطني لترتيب البيت الداخلي ،و وضع البلسم على جرح الحرب النازف، و إعادة روح المواطنة و التعايش السلمي، من خلال إيجاد الحوار الحقيقي بين كل مكونات الشعب السوري و فتح المجال للمشاركة العادلة الاجتماعية و السياسية لجميع المكونات ،ومن خلال المبادرات الإنسانية لتقديم الخدمات للطبقة المستضعفة التي تضررت من الحرب بغض النظر عن انتماءات الأفراد الدينية و المذهبية.
و المطلوب أن تملأ المؤسسة الدينية السورية -على المستوى الأممي و العالمي – الفراغ الحاصل في المرجعية الدينية في العالم الإسلامي لاسيما في المذهب السنّي و الذي حصل بسبب غياب دور الازهر و الزيتونة و القيروان و المؤسسات الدينية العريقة الأخرى.
هذا الفراغ الذي استطاعت السعودية استغلاله من خلال استثمار الشعور الديني المتحفز لدى الشباب ،وتجنيدهم في عصابات وزمر تكفيرية ارهابية.
المواطنة سدّ منيع أمام الطائفية البغيضة
لاشكّ أنّ الفراغ الموجود في لفكر الإسلامي الصحيح و الذي يبني على أساسه الإنسان قبل البنيان، قد فتح المجال أمام قطّاع الطريق الذين حرّفوا الدين حسب أهواءهم و غرروا الشباب بأماني نكاح الحور العين و الدخول في جنات تجري من تحتها الأنهار مقابل إرهاب إخوانهم في الدين و شركائهم في الوطن!
يقابل الطائفية المبنية على الكراهية و البغضاء و إثارة النعرات التوجه الوحدوي و القائم على الاعتراف ضرورة التعايش بين أبناء الوطن الواحد.
من الضروري أن نسعى جميعاً لتوعية المجتمع و تثقيفه بهذه الثقافة الدينية التنويرية و محاولة تمريضه و علاجه من مرض الفرقة العضال الذي يفتك بجسده.
و من المفاهيم التي من شأنها أن تحقق جانباً من مشروع الوحدة الإسلامية هي المواطنة.
علينا أن نسلّط الضوء على هذا المفهوم دينياً لنعي قدره و مكانته في منظومة الفكر الإسلامي، و من ثمّ نتحدث عن نسبته و دوره في مسيرة تحقيق الوحدة الإسلامية، و أيضا ندرس بتمعن و دقة علمية تأثيره على الحقول المعرفية العملية الأخرى و تأثيره على الجوانب العملية للحياة.
مشروع الوحدة و بناء الوعي الحضاري
الوحدة الإسلامية قيمة دينية اقرّتها القيم الإنسانية و تؤكد على ضرورتها و وجوبها النصوص الدينية المتمثلة بالقرآن الكريم وسنة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله ، بل يمكن الادعاء بأنّها من مقاصد الشريعة الإسلامية العليا أو من اللوازم و مقتضيات هذه المقاصد، إذ لايتحقق كيان الأمة إلا بوحدتها و دون تحقيق هذه الوحدة و الانسجام بين عناصرها المذهبية و القومية، و تياراتها الفكرية و السياسية، تبقى أمة مفككة لايتوفر فيها الأمن و الإستقرار فضلاً عن توفر الفرصة لأبناءها للتفكير بنهضتها و رقيها و تطويرها.
الوحدة الإسلامية تلك الفريضة الغائبة التي نسيت الأمة وجوبها الشرعي بعد أن أصيبت بداء الحروب الطاحنة التي شغلتها عن بناء حضارتها الإنسانية الدينية .
الحروب التي أشعل نيرانها بعض الساسة الفاسدين و علماء البلاط أو منظري الإرهاب و أصحاب الجماعات التكفيرية الذين أساؤوا الاستثمارفي الخلافات الفكرية لأجل تعبئة الناس طائفياً و استغلالهم ظلماً و علوّاً .
إيران وسوريا يداً بيد في المسيرة الوحدوية
التعاون الوثيق بين المؤسسات الدينية السورية و المؤسسات الدينية الإيرانية أظهرت للجميع أنّ العلاقات بين البلدين لم تقتصر في الجانب العسكري و الأمني فحسب و إنّما هي متينة و ممتدة في الجانب الثقافي و الديني أيضاً .
( الملتقى العلمائي الإسلامي ) ندوة حوارية علمية فكرية و هي من مصاديق هذه العلاقات الدينية . يقيمها مكتب الإمام الخامنئي في سوريا سنوياً و هذه السنة يقام هذا المؤتمر ضمن عمل مشترك بين المكتب و وزارة الأوقاف السورية تحت عنوان (دور العلماء في تأصيل مفهوم المواطنة و حفظ الأوطان ) في محاولة من القائمين على الملتقى لاستكشاف (مفهوم الوطن في منظومة الفكر الإسلامي) و بلورة (منطلقات و مباني فقه المواطنة) و تسليط الضوء على (هوية الذات بين الانتماء العقدي و الإنتماء الوطني) و دراسة (دور التكفير و الصهيونية في تشويه مفهوم المواطنة و هدم الأوطان) و فهم العلاقة بين (ثنائية المقاومة و المواطنة).