التقريب ضرورة دينية وحاجّة ملحّة
بيان سماحة آية الله الشيخ جعفر السبحاني
إلى مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية ـ طهران
بسم الله الرحمن الرحيم
التقريب ضرورة دينية وحاجّة ملحّة
التقريب بين الطوائف الإسلامية من الأماني العزيزة ، التي يتمنّاها كلّ مسلم واع بصير، خصوصاً في الأوضاع الراهنة، والأجواء السائدة على المسلمين ، والظروف المحيطة بهم في شتى النواحي والأقطار ، ولا يشك في ضرورته إلاّ اثنان : جاهل مغفّل ، وجاحد معائد ما كر. إذ لا يمرّ على المسلمين يوم إلا وفيه مجازر رهيبة، وحروب دامية طاحنة، فرضتها عليهم القوى الكافرة، التي تخاف من سيادة الإسلام في ربوع العالم، وانتشاره فيها ، فعادت تؤجّج نار الحرب بين آونة وأخرى ، فتضرب المسلم بالمسلم تارة ، وبالكافر أخرى فتحقّق امنيتها الكبرى.
ناهيك عن المجازر الدامية في فلسطين المحتلة التي يرتكبها الصهاينة، لأنّها بمرأى ومسمع من عامة المسلمين.
إنّ هذه الحوادث والوقائع الأليمة وعشرات من أمثالها ، تدفع المسلمّ الحرّ الذي يجري في عروقه دمُ الغيرة والحمية ، إلى التفكير في داء مجتمعه ودوائه، وفي إعادة مجده التالد، وكيانه السابق، فلا يجد دواءً ناجعاً سوى التمسك بالإسلام في مجالي العقيدة والشريعة ومن أبرز أُصوله ما دعا إليه الذكر الحكيم في قوله سبحانه: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)(سورة آل عمران: 103) وقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (سورة الحجرات : 10). إلى غير ذلك من الآيات إلى تَحُثَ على الوحدة والوئام، والابتعاد عن التمزّق والتفرّق، وقد أكد الرسولُ الكريم ما دعا إليه القرآن بقوله:
(مثل المؤمنين في وتوادّهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه شيء ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) (مسند أحمد ك 4 / 270 ).
وقال الإمام علي (عليه السلام) :
(وألزموا السواد الأعظم ، فانّ يد الله مع الجماعة وإيّاكم والفرقة ، فانّ الشاذّ من الناس للشيطان كما أنّ الشاذ من الغنم للذئب ، ألا مَنْ دعا إلى هذا الشعار فاقتلوه ولو كان تحت عمامتي هذه) (نهج البلاغة : 261 ، طبعة عبده.
وفي ضوء الوضع الراهن نخاطب المسلمين وفي مقدمتهم الرؤساء والمشايخ وقادة الفكر وأرباب القلم بقولنا : قاربوا الخطى أيها المسلمون، وقللوا الخلاف، وأكثروا الوئام ، وتمسّكوا بالأصول المشتركة المتوفرة في مجالي العقيدة والشريعة ، ابتعدوا عن التنافر والتناكر ، حتى تكونوا صفاً واحداً في وجه الأعداء لا يزعزعكم مكرٌ الشياطين وحيلة أعدائهم في المناطق كلّها.
فلو أراد المسلمون حفظ نواميسهم ، ومقدساتهم التي أصبحت في هذه الأيام فريسة للصهاينة ومؤيديهم ، فعليهم أن يقاربوا الخطى ويتمسكوا بحبل الوحدة الذي هو حبل الله المتين ويتعايشوا عيشة أُخوية ويحمل كل ما عليه من الأفكار والعقائد في ظل مشتركات كثيرة ، فإنّ ما يجعمهم أكثر وأكثر ممّا يفرقهم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قم المقدسة
الحوزة العلمية
جعفر السبحاني
15 ربيع الأوّل 1434 هـ