الجماهير والتقريب

الجماهير والتقريب

 

 

الجماهير والتقريب

 

الشيخ خالد الغفوري

 

 

 

 الخلاصة

 يتضمّن بحثنا والذي يحمل عنوان (الجماهير والتقريب) مايلي:

 1 ـ مقدّمة تناولت الأمل بحركة التقريب والوحدة، وأن هذا الأمل يبتني على جملة من العناصر الموضوعية وليس هو محض رغبة ذاتية ناشئة من الحماس للعقيدة.

 2 ـ مجالات التقريب: حيث ذكرنا هناك ثلاثة مجالات:

 1 ـ المجال النخبوي 2 ـ المجال السياسي 3 ـ المجال الجماهيري

 وبيّنا اهمية ودور كل واحد منها

 3 ـ معالم المشروع التقريبي الجماهيري: وهو الهدف من البحث حيث ذكر تحت هذا العنوان مايلي:

 أ ـ بعض التوضيحات التي تبرز أهمية هذا المشروع المقترح ونفي بعض التوهّمات عنه.

 ب ـ اسس ومقومات هذا المشروع: فإنّ هذا المشروع يتوقف على جملة عناصر: منها التوفّر على معرفة بالأمة ومستواها الفكري والثقافي ودرجة حرارتها العاطفية واحاطة بالظروف المحيطة بالأمة داخلياً وخارجياً، والتحلّي بالصدق والصراحة مع الأمة في خطابها.

 حـ ـ آفاق ومفردات عملية: فقد تعرّضنا إلى بعض المقترحات العملية لهذا المشروع الجماهيري:

 1 ـ استثمار المناسبات والمواسم الإسلاميّة العامة

 2 ـ استثمار الفن والادب الإسلامي

 3 ـ التصدّي للمحاولات التخريبية التي تقف حجر عثرة في وجه التقريب

 4 ـ تأسيس منابر ومنابع إعلامية اسلامية تهتم بشؤون التقريب والوحدة

 

 المقدمة:

 ان الوحدة الإسلاميّة هدف كبير سعى لتحقيقه علماء الأُمّة ورجالها الواعون ولا تزال طليعة الأُمّة تواصل هذا المسار المباركوالذي أخذ يتبلور يوماً بعد يوم وينضج على أثر التجارب الحثيثة وإن كانت هناك بعض الاخفاقات أو التلكّؤات، فإننا إذا أردنا تقييم المحصَّلة الكلية والخط البياني الاجمالي لحركة الوحدة لانتهينا إلى أرقام مفرحة ونتائج إيجابية تفتح لنا أبواباً واسعة من الأمل وتضع أقدامنا على أرض صلبة من الثقة بسلامة الطريق والاطمئنان بتوفيق الله والاعتماد على الأُمّة واستجابتها المثبتة.

 إن أهم ما يبرّر هذا الأمل وتلك الثقة ما يلي:

 أولاً ـ وجود المتابعة والمواصلة من قِبل الشخصيات التي حملت مشعل الوحدة وعدم الانسحاب من الميدان رغم الاحراجات التي تعرّض لها هؤلاء ويتعرّض لها عادة كل من يتصدّى لهذا الأمر المهم من الجهات الصديقة ومن الجهات المضادّة والمعادية للاسلام.

 ثانياً ـ وجود مراكز ومؤسسات متمحّضة لخدمة الأهداف الوحدوية بين أبناء الأُمّة الإسلاميّة ممّا يجعل قضايا الوحدة أكثر جدّية وذات أبعاد فعلية ومستقبلية، ويدفع بعجلة الوحدة إلى أمام ويخرجها من دائرة الحلم إلى ميدان الواقع.

 ثالثاً ـ الظروف السياسية المحلية والاقليمية والدولية التي تزداد حراجة يوم بعد آخر والتي عجّلت في وعي الأُمّة وساهمت في تنضيج الذهنية الإسلاميّة والطموحات الرسالية، وهذه الظروف وإن كانت في ظاهرها تشكل عنصر ضغط لتذويب إرادة الأُمّة وتفتيت قدرتها، إلاّ أن لكل فعل ردَّ فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه كما يقال عادة في حقل الفيزياء.

 هذا على صعيد المواد الجامدة غير الواعية وغير العاقلة، وأمّا على صعيد الامم والشعوب ـ كما يستفاد ذلك من دراسة التاريخ بل والواقع المعاش ـ فإنّ ردّ الفعل قد يكون أضعافاً مضاعفة وقد يفوق حدّ التصور أحياناً لوجود الطاقة الايمانية التي لا يمكن أن تُخضع للحسابات المختبرية الصامتة.

 وعلى أية حال فإن الأُمّة الإسلاميّة باتت اليوم أكثر من أي وقت مضى تحسّ بضرورة الوحدة ونبذ الخلافات جانباً، ولابّد من التصدّي لأعداء الأُمّة الذين يريدون ابتلاعها ومصادرة شخصيتها والغاء هويتها.

 رابعاً ـ انفتاح نافذة الحوار الايجابي الذي يحل كثيراً من الاشكاليات ويرفض العديد من حالات الغموض وسوء الظن

 خامساً: ـ التنظير للمشروع الوحدوي في أبعاد مختلفة، كالبعد التفسيري والبعد الفقهي، والبعد الاصولي، والبعد العقائدي والكلامي، والبعد التاريخي، والبعد السياسي، وتأسيس مناهج نظرية وعملية، وتقعيد الفكر الوحدوي من خلال اطروحات عميقة ودقيقة مبتنية على أساس الواقع الموجود، لا على أساس واقع متخيَّل ومتصوّر، وعلى أساس فهم الآخر ودرك محيطه.

 وبحسب تصوري إن هذا أهم ركيزة تحمل البشائر، وتجعلنا نحسب للأهداف الوحدوية حساباً وتقلب تصوراتنا إلى تصديقات.

 ولنتكلّم بصراحة أكثر وببيان أوضح، اقول:

 لا شكّ في كون وحدة الأُمّة الإسلاميّة ضرورة لا مناص منها، بل هو الوضع الطبيعي الذي لابدّ أن تتوفّر عليه الأُمّة وهو خيارها الوحيد وأن التفرقة والاختلاف ما هي إلاّ حالات طارئة، قال سبحانه: (وان هذه امتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)، وقال سبحانه محذّراً من الفرقة والاختلاف والخصومة: (ولا تكونوا من المشركين من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً) وأيضاً قال: (ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) بل إن الوحدة تعدّ ضرورة من ضروريات الدين ; ولهذا فإن المتحدّث عن الوحدة لا يعاني من صعوبة لإقناع مخاطبيه ولكنه يجد صعوبة إذا أراد أن يترجم ذلك عملياً وميدانياً ممّا أدّى إلى تباطؤ أو توقّف أو تراجع بعض المشاريع الوحدوية فيما سبق، في حين أننا نجد الآن أن ثمة تعامل منطقي مبتن على أساس رؤية واقعية للظروف التي تعيشها الأُمّة وإدراك صحيح لمشاعر أبناء كل مذهب من المذاهب الإسلاميّة.

 ويتجلّى لنا ذلك بوضوح عندما يطرح مفهوم وشعار (التقريب) الذي هو السبيل العملي المتناسب مع واقعنا المعاش والموصل إلى الهدف النهائي الكبير وهو (الوحدة) فإنّ تحقيق الوحدة لا يتم بقفزة ولايتم بإغفال الواقعيات، وإلا فسيكون حالنا حال من يريد الصعود إلى أعلى البناية بغير سلَّم.

 ومن خلال (التقريب المبرمج) لا (التقريب الشعاري) يمكن إزالة الحواجز والتراكمات التي حصلت طوال سنين متتالية. وهذا أقوى دليل يدلّ على أن (الوحدة) قد تجاوزت مرحلة (المجاملة) وحالة (الشعار) و(الانفعال)، ودخلت في مرحلة (الفعل) و(القناعة) و(التبنّي) و(البرمجة العملية).

 

 مجالات التقريب وآفاقه:

 إذن ونحن نعيش هذا المستوى من الجدّية فلابدّ لنا أن نسعى بكل ما اوتينا من قوة ومهارة لتنضيح البرامج التقريبية عملياً ونظرياً ; حيث ان (التقريب) يمكن أن يفترض في عدّة مجالات، كما يمكن ان نفترض عدّة مستويات لكل مجال منها، والمجالات الرئيسية هي:

 1 ـ التقريب في الاطار النخبوي وداخل الأروقة الخاصة.

 2 ـ التقريب في الاطار السياسي.

 3 ـ التقريب في الدائرة الجماهيرية الكبرى للأمة.

 أما المجال الأول فهو المنطلق الأول الذي يعتبر الحجر الأساس، فما لم تقتنع النخبة من علماء الأُمّة ومثقفيها بقضية الوحدة والتقريب فحينئذ لا يمكن العمل في سائر المجالات، فإنّ النخبة إذا تسلّحت بالوعي والعمق فستكون هي المفتاح السحري الذي يوطّئ الأرضية المناسبة للتحرّكويعطي المبرّر النظري لكل خطوة عملية ولأي برنامج ميداني.

 والغالب من الانشطة التقريبية يتمركز عادة في هذا الإطار، وعلى الرغم من كون ذلك أمراً ضرورياً ويمثّل نقطة البداية إلاّ أنه لا يمكن الاقتصار عليه لأنه يتحرّك ببطء لانه طريق طويل يحتاج إلى الحوار والمناقشة والأخذ والردّ، وطبيعة النخب أنها لا تستجيب بسرعة بل طبيعتها التأنيّ عندما تريد أن تكوّن قناعة نحو قضية ما.

 وأضف إلى ذلك محدوديته، فانه لو فرضنا حصول مثل تلك القناعة لدى النخب فانهم عادة يشكّلون أقلّية في مقابل الأمواج الجماهيرية الهائلة.

 إذن فلا يصح التوقّف في هذا الاطار والاكتفاء به بل لابدّ من التماس إطارات اخرى توسّع من آفاق التقريب وآثاره وانعكاساته حتى نجني ثماره ونقطف أُكَلَه.

 وأمّا المجال السياسي فهو الآخر يعدّ مجالاً مهماً واستراتيجياً في حركة التقريب، اذ أن الحوار الفكري والعلمي مالم ينعكس عملياً وميدانياً فسوف تضمحل بركاته أو تنعدم، فعندما تكون المواقف متباعدة أو متناقضة فلا جدوى من الالتقاء على مستوى البحث وعلى طاولة الحوار والتباعد على مستوى الواقع العملي قبال التحدّيات، وقد رأينا كم كان من الأثر البالغ لموقف الأُمّة الموحَّد تجاه قضايا العالم الإسلامي الكبرى كالقضية الفلسطينية، فلولا ذلك الموقف السياسي الموحّد للعالم الإسلامي لتمّ ابتلاع فلسطين وغيرها دون أي عائق.

 لكن يا تُرى هل يمكن التوقّف عند هذا الحد والاستغناء عن سائر المجالات؟

 الحق: ان بلورة موقف موحَّد أو متقارب في المجال السياسي أمر متعذِّر، ولا يمكن إلاّ في حدود القضايا الكبرى والمسلَّمة، فلا يُسمح بخوض كل مجال سياسي ولا طرح كل مفردة يحتدم فيها الصراع، ولا يتسنى لنا ذلك في أي مكان أو زمان شئنا مادامت الموانع الحديدية التي ضربتها الحكومات على الجماهير وطلائعها موجودة هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنّ وجود الملابسات التي تلفّ الكثير من الوقائع والأحداث السياسية في بلداننا الإسلاميّة قد لا تسمح باتخاذ موقف سياسي موحّد للامة ; فإنّ المسائل السياسية عادة يكتنفها الغموض مضافاً إلى دور أعداء الإسلام في التعتيم على الأُمّة .

 وأمّا المجال الثالث وهو الدائرة الجماهيرية الواسعة فهو أرحب المجالات وهو محط رحال الواعين والرساليين وهو مركز ثقل الرسالة، وهو الرافد الذي تصبّ فيه خطواتنا على صعيد النُّخب، فنحن نسلِّح الطلائع بالرؤية الصائبة كي يبثّوا هذا النور في أوساط الناس لا لكي يصبحوا منظّرين فحسب، فلابدّ وأن يمارسوا دورهم الطليعي في تثقيف الأُمّة وتوجيهها نحو التقارب والوحدة فإنّ التقريب والوحدة قضية موضوعها الأُمّة ومحمولها الواحدة.

 وكذا الحال في المجال السياسي التقريبي ; حيث إن النشاط السياسي إذا تقوقع في بوتقة النخبة فسوف يكون تأثيره ضيقاً، في حين أن الأُمّة تمثّل السناد القوي والامداد الضخم الذي يصعّد من درجة تأثير الموقف السياسي عمقاً وسعة.

 وإلاّ فسنبقى نراوح في مكاننا في حركة هي أقرب ما تكون إلى السكون، فلا مناص عن مفاتحة المجتمع بهذا الوعي ولابدّ من زجّ الأُمّة وإشراكها في هذا المشروع الضخم الذي يحتاج إلى طاقة الأُمّة وأبنائها، قال سبحانه: (وقولوا للناس حسناً) فعلى علماء الأُمّة ومثقفيها أن يوجّهوا الأُمّة نحو التقريب والوحدة وأن يربّوها على أخلاقية الأُمّة الواحدة ويزرعوا فيها القيم الحضارية الراقية التي تسمو عن التفاهات والافق الضيق، لنعلّم الأُمّة معنى الحبّ لله ولرسوله وللاسلام والقرآن ولنعرّف الناس بمعنى الاخوة (إنّما المؤمنون اخوة) وكيف تترجم هذه الاخوة عملاً ولنفقّه الأُمّة بالتراحم والتوادد (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفّار رحماء بينهم) ولنجعل الأُمّة تتذوق حلاوة الاخوة ولذّة التراحم، ولتقترب من الهدف المنشود وهو الوحدة.

 ولا يتحقق هذا الأمر بصورة عفوية بل لابدّ من نهيّء برنامجاً مدروساً لهذا الأمر الستراتيجي الخطير. من هنا أبدأ بطرح مشروعي المقترح هذا على أهل الخبرة وعلماء الأُمّة لمناقشته ولتطويره وتنضيجه.

  

معالم المشروع التقريبي الجماهيري

  

أ ـ توضيحات وتنبيهات:

 1 ـ في البدء ننبّه على أننا لا نريد أن نقلّل من شأن المجالين الأول والثاني ولا نقصد استبدالهما بهذا المشروع، وإنّما الغرض هو تكميل عملية التقريب وتوسعة وتنمية لها، بل العمل في كل مجال يعتبر خطوة في طريق التقريب وبمجموع هذا الخطوات يتركّب برنامج شامل وواسع الأفق.

 2 ـ ليس من الصحيح  أن نتوهم كون العمل الجماهيري سهلاً ولا يحتاج إلى مزيد تأمّل وإلى خطة دقيقة مادام معدّل المستوى الثقافي والفكري للملأ العام من الجماهير لا يتجاوز الحدّ المتوسط على أحسن التقادير وأفضل الفروض، إلاّ أن التجارب الماضية والمعاصرة أثتبت أن المعادلة الجماهيرية بسيطة بحسب النظرة السريعة إلاّ أنها معقّدة في حقيقتها لكثرة الحيثيات والعوامل التي تدخل في تركيبها، وتزداد المسألة تعقيداً إذا التفتنا أننا نريد التعامل مع امة ممتدّة جغرافياً على مساحة كبيرة وتتشكل من فرق وطوائف وظروف مختلفة ومتفاوتة. وهذا مايبّرر التنظير لهذا الأمر.

 3 ـ إن الأمل بالأمة هو الشعور الذي يجب أن لا يفارق الرساليين والواعين وإن لاقتنا بعض العراقيل، ولنا في ماضينا العريق بل وفي تاريخنا القريب ما يدلّ على حيوية الأُمّة واستعدادها للاستجابة.

 

ب ـ أسس ومقوّمات:

 1 ـ ان التصدّي للعمل الجماهيري يتطلّب إدراكاً للجماهير، أي كيف تفكّر الجماهير؟ وبماذا تفكّر؟ ومتى تفكّر؟ وما هي الأولويات في ذهن الأُمّة؟ وما لم تتضح الاجابة على هذه الاسئلة وأمثالها فسوف يحصل التورّط في أخطاء كبيرة وسنكون نحن في واد والجماهير في واد آخر.

 2 ـ وأيضاً يتطلّب تشخيص العاطفة الإسلاميّة لدى الجماهير، وكيف يمكن استثمار هذه العاطفة؟ وما هي درجة حرارتها؟

 فإنّ الافكار والنظريات المجرّدة إذا طرحت مع قطع النظر عن العواطف فقد تؤدي إلى ردّة فعل عكسية، وبالطبع فإنّ ثمة تفاوت كبير من منطقة إلى اخرى.

 3 ـ امتلاك موقع التأثير، فربما يكون الخطاب الجماهيري سليماً ومنطقياً إلاّ انه ينطلق من حنجرة ضعيفة فلا يصل صوت الاصلاح إلى دوائر واسعة، فلابدّ من تصدّي أصحاب التأثير وذوي الكلمة النافذة في الأُمّة كي يؤثّر البلاغ أثره المتوقّع. وعليه فليس من الصحيح التفريط بموقع ومكانة علماء الأُمّة ومثقفيها.

 4 ـ إدراك الظرف المحيط بالأمة اجتماعياً وسياسياً داخليّاً وخارجياً فقد تعيش الأُمّة همّاً معيناً استجابة لظرف طارئ عليها وقد تنسى هذا الهم بعد حين. كما أن الخارطة المذهبية للأمة تتفاوت من شعب إلى آخر فربما يعيش مجتمع ما حالة الوئام بين المذاهب والصفاء وربما يعيش حالة الحرب الباردة وربما تصل الحالة إلى مستوى التشنّج والاحتراب والنزاع.

 فما لم نفقه هذه الامور قد نطرح مشكلة في محيط ما لا وجود لها، وقد نساهم في تأجيج حدّة الخلاف من حيث لا نشعر لأننا لم نطرح النصيحة في محلّها وموضعها.

 5 ـ الصراحة والصدق مع الجماهير، فإنّ العمل الجماهيري والاستجابة الجماهيرية تتوقف على الثقة، ولا تحصل الثقة على المدى الطويل مع حالة الالتواء والغموض الذي يصبح مرتعاً للتأويلات والاحتمالات. فما دمنا نعتقد فيما بيننا وبين الله أن الوحدة والتقريب أمران ضروريان ويفرضهما الإسلام والشريعة، فاذن لماذا لا نكون جادّين وحاسمين وصريحين في معالجة القضايا عندما نخاطب الأُمّة في مسألة تمّ تشخيصها مسبقاً وتم الخروج منها بقناعة واضحة؟!

 

 حـ ـ آفاق ومفردات عملية:

 من أجل أن لا يصبح المشروع المقدَّم ساكناً في مرحلة التنظير ينبغي أن ويترجم على الواقع كممارسات ميدانية، وهي لا يمكن حصرها، والذي نظنّه أنها واسعة جدّاً غير أنا انتخبنا بعض هذه المفردات كنماذج وقد ندّعي أولوليتها، وهي ما يلي:

 1 ـ استثمار المناسبات والمواسم الإسلاميّة: نظير المولد والمبعث الهجرة النبوية.

 فانه لا يخفى على كل أحد مدى انشداد الأُمّة إلى نبيها وتفاعلها نفسياً ومعنوياً مع هذه المناسبات، حيث تعبّر الاحتفالات وتكشف عن هذا التفاعل. وهو نقطة قوة مهمة، فلو استطعنا توظيفها واستثمارها لصالح القضية التقريبية فسوف نتمكن من تعبئة الجماهير ودفعها عملياً بالاتجاه الصحيح ; لانه عادة تلتهب العواطف وتستثار المشاعر وتتوقد النفوس وتستعد للتلقّي، وكما نسعى لتوجيه هذه الطاقة الجماهيرية باتجاه شد الأُمّة برسالتها عمودياً فلنتجه افقياً أيضاً لشد أبناء الأُمّة بعضها ببعض، من خلال ما نطرحه من مضامين ومن خلال ما نُشرك من أطياف متعدّدة ومن خلال ما نعتمد من أساليب.

 2 ـ استثمار الفنّ والادب: من الواضح ان التراث الإسلامي في مجال الفن والادب هو تراث واحد، ولم يتأطّر بالحسّ الطائفي ولم يصطبغ باللون المذهبي بل صبغته العامة هي الإسلام (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة) فليس لدينا أدب وشعر للاحناف او للمالكية أو لغيرهم. فاذا كان الأمر كذلك إذن فبالامكان تقديم أعمال فنية وأدبية مشتركة سواء كانت مسرحيات او أفلام أو أناشيد او غير ذلك.

 3 ـ التصدّي للمحاولات التخريبية: هناك مساران متضادّان ومتعاكسان في الاتجاه، وهما: المسار التقريبي والمسار التخريبي، فكما ان الغيارى انطلاقاً من شعورهم بالمسؤولية الشرعية يحرصون أشد الحرص على توحيد الأُمّة وبناء تيار قوي منسجم من أبناء الإسلام نجد في مقابل ذلك أناساً جنّدوا أنفسهم لتعميق الفجوة بين المسلمين وإشاعة روح التفرقة والتنازع تحت عناوين مفتعلة ومبررات واهية. وهذه ظاهرة كانت ولا تزال، إذ لازلنا نسمع أصواتاً مبحوحة تدعو إلى التعصّب والتحزّب ونبذ الحوار وتشجّع على الانغلاق وعدم الانفتاح، فبين الفينة والأخرى يطلّ علينا إصداراً أو تأليف أوخطبة رنّانة، تستغلّ العواطف البريئة لبعض السذّج ويسوقها الخطيب إلى خلاف ما أمر الله به فيأمر الناس بالمنكر وبقطع ما أمر الله به أن يوصل متناسياً قول الله سبحانه: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)ومتغافلاً عن قول رسوله (صلى الله عليه وآله): «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى».

 أقول: ونحن نرى مثل هذه الممارسات المعوجّة فلماذا لا يتصدّى العقلاء لهؤلاء السفهاء والمغرضين؟!

 ولماذا ينبري أبناء المذهب المتّهم والمهاجَم للدفاع عن نفسه؟!

 ولِمَ ينسحب الآخرون عن ردع هؤلاء الجهلة الدهماء؟!

 في حين إن المسؤولية تقتضي هنا أن يتصدّى للردّ والردع علماء وعقلاء المذهب الذي يدّعي المهاجِم الانتماء إليه، لكي تشعر الجماهير بواقعية دعواتنا التقريبية، ولكي نلقِّن الكائدين وكل من سوّلت له نفسه تفريق شمل الأُمّة درساً لن يُنسى.

 4 ـ تأسيس وكالة أنباء اسلامية وكذلك تبنّي شبكة تلفزيونية وفضائية تهتم بقضايا التقريب والوحدة ويعدّ لذلك برامج مناسبة تستقي منابعها مما يلي:

 1 ـ القرآن والسنّة .

 2 ـ التاريخ بما يشمل من ضحكات ودموع ومفاخر وإخفاقات .

 3 ـ ربط الأُمّة بهويتها الإسلاميّة

 4 ـ التعريف بالشعوب والطوائف الإسلاميّة.

 5 ـ التعريف بالتراث.

 6 ـ الأحداث التي يمّر بها المسلمون في مختلف بقاع العالم.

 والذي يدعونا إلى الأمل بتأسيس مثل ذلك عدّة امور، منها ما يلي:

 أولاً ـ (مجلّة رسالة التقريب) التي تعتبر ممارسة وخطوة عملية أثبتث نجاحها مما يساعد في عدم استصعاب ما قدمنا من مقترحات

 ثانياً ـ سمعنا أخيراً بافتتاح شبكة انترنيت تهتم وتختص بقضايا التقريب وهذا ما يخدم كثيراً ويصبّ في نفس الرافد الذي اقترحناه

 ثالثاً ـ وجود (دار التقريب) وهي مؤسسة أخذت على عاتقها حماية ودعم كل ما يخدم قضية التقريب، نظراً لإيمان القائمين عليها بذلك

  

الخاتمة:

 ان المشروع الذي اقترحناه يمثّل وجهة نظر أولية تستحق البلورة والتنضيج، او التعديل والتكميل. وأرجو من أصحاب الخبرة وكل من يهتم بأمر التقريب أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار ; لأن المشروع يمثّل بعداً استراتيجياً مهماً ; فإنّ الجماهير يجب أن تُسهم في صنع الواقع والمستقبل. وقد أثبتت التجارب أن الجماهير قادرة على صنع المعاجز وإحداث الانعاطافات التاريخية الكبيرة. انني أخشى من سيطرة حالة التنظير المجّرد وحصر حركة التقريب في حدود ضيقة خانقة، فلابدّ لنا من الانفتاح على الأُمّة التي لا تزال تنبض بالحياة، وعلينا أن لا نعيش على الهامش وأن لا نهمّش دور الأُمّة العظيم.

 وفّق الله علماء المسلمين ومفكريهم المخلصين الذين هم أُمناء على الأُمّة وقادة لها. والله خير معين، ولاحول ولاقوة إلاّ بالله.