اعتماد مبدأ الحوار القرآني

اعتماد مبدأ الحوار القرآني

 

 

اعتماد مبدأ الحوار القرآني

 

الأستاذ الشيخ عبدالأمير قبلان/نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى - لبنان

 

القرآن الكريم خطاب  الله تعالى الى الناس كافة، من طريق خاتم أنبيائه ورسله محمد صلى الله عليه و آله وسلم، لتدبر آياته بما يتناسب و تطور عقولهم في مضمار العلم والحضارة والاجتماع.

 وبما أن القرآن كتاب الله للانسان في كل مكان وزمان للعمل بمقتضاه في حياته العامة والخاصة، فذلك يعني أنه لم يترك منحى من مناحي حياة الانسانية الا وعالجها بشكل مجمل أو تفصيلي، ومنها كيفية تعامل  الانسان مع أخيه الانسان في الخلق والانسانية من طريق الحوار.

 وقد جاءت سور متعددة في القرآن الكريم على شكل حوارات شيقة رائعة، تستعمل الاساليب العربية البليغة الجذابة حتى تؤدي الغاية منها، وهي التعليم والارشاد و الاقناع من خلال العقل من دون أي اكراه، واستنادا الى ذلك، يمكن القول، ان الانسان المسلم العاقل السوي الذي ينهج في سلوكه النهج القرآني، لابد ان يعتمد مبدأ الحوار القرآني، و يلجأ الى الحوار مع الآخرين عند الاختلاف معهم من اجل تحقيق خلافة الله في الارض  على أحسن صورة.

 ومن نافل القول، أن الحوار مع الاخر قد يكون المدخل الوحيد والصحيح لمعرفته حق المعرفة من دون برقع أو قناع كما قد يكون مدخلا للتعلم والمعرفة أو الاستزادة منهما، وحلاً ناجعاً لتلافي المشاكل والنزاعات، وازالة الضغائن والاحقاد والابتعاد، عن الكراهية والتعصب والمغالاة. والله تعالى يقول في الآية الثالثة عشرة من سورة الحجرات من كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13) التي تعني أن الانسانية قائمة على التنوع والتعدد  والتمايز والاختلاف. كما يقول الله تعالى في الايتين  الثامنة عشرة بعد المئة والتاسعة عشرة بعد المئة من سورة هود: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، التي تعني أن في الديانات تنوعاً واختلافاً. كما يقول رب العالمين في الآية الثامنة والاربعين من سورة المائدة: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ...) التي تعني أن المذاهب والحضارات والثقافات قائمة على أساس التنوع و الاختلاف.

 ولأن الله سبحانه وتعالى خلق الناس مختلفين في ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم وعقائدهم، ودان الصراع فيما بينهم، الذي يفضي الى قضاء بعضهم على بعض، والى الاستكبار في الأرض، فانه دعاهم الى التسابق فيما بينهم على طاعته، وعلى عمل الصالحات، كما جاء في تتمة الآية الثامنة و الاربعين من سورة المائدة: (…وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)(المائدة:48); كما دعاهم الى  التحاور فيما بينهم بالحكمة والموعظة الحسنة كما جاء في الآية الخامسة والعشرين بعد المائة من سورة النحل.

 وهكذا، فالحوار بين الناس مبدأ أساسي من مبادىء القرآن الكريم، حتى ان الله جل جلاله ااستعمل الحوار لترسيخ هذاالمبدأ الانساني الذي لا غنى عنه لقيام التعارف والتواصل والتعاون بين الناس، وإحلال المودة والسلام فيما بينهم.

 ومن نماذج الحوارات القرآنية الإلهية التربوية والتعليمية الرائعة المنطق والبلاغة، نذكر على سبيل المثال:

 

 أولاً-  حوار الله تعالى مع الملائكة:

 ان اول حوار ساقه القرآن الكريم و يستدعي التأمل و النظر والاعتبار هو الحوار الذي جاء في الآية الثلاثين من سورة البقرة، بين الله سبحانه وتعالى ومخلوقاته من الملائكة، حول خلافة الانسان في الارض.

 فقد احتج الملائكة على الخالق عزوجل لجعله الانسان خليفة في الارض، وهو من طبعه الإفساد وسفك الدماء، وعدم الالتفات اليهم، وهم المؤمنون به، الذين يقدسون اسمه ويسبحون بحمده. فلم يعرض الله تعالى عنهم، ولم يغضب عليهم، ولم يعاقبهم، بل حاورهم بسماحة المقتدر، العالم، الذي لايصادر رأيا، ولايتأفف من جهل أو عصيان. (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ).

  

ثانياً – حوار الله تعالى مع إبليس:

 لم يقتصر الحوار الالهي القرآني على الملائكة المؤمنين بالله تعالى فسحب، وانما تعداه الى غير المؤمنين، وعلى رأسهم: الشيطان، ابليس. لقد أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم، فسجدوا، الا ابليس، أبى واستكبر، مدعياً انه أفضل من آدم لانه مخلوق من نار وآدم مخلوق من طين. ومع ذلك، حاوره الله تعالى واستجاب لطلبه، ليتعرف الانسان حقيقة ابليس وطبيعته الشرية واستكباره وتعاليمه على الخلق، ودفعهم الى الشر، وسبب طرده من الجنة. وهذا مما يدل على ضرورة الحوار بين الناس كافة من أجل  معرفة بعضهم حقيقة دخائل وسرائر بعضهم الآخر، من دون أي ضغط مادي أو اكراه معنوي، وبغاية قيام التفاهم والتصالح والسلام فيما بينهم عوضاً عن التخاصم والتنازع والتصادم.

 (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ(71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ(81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ(83). قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ(85).

 

ثالثاً – حوار الله تعالى مع أنبيائه:

 لقد خلق الله تعالى آدم وجعله أفضل من الملائكة وأعظم. وشاء أن تكون الجنة سكنا له لزوجه حواء; وأعطاهما حريةالاكل مما يشاء ان ما عدا شجرة معينة حرم عليهما الاقتراب منها، وحذرهما الشيطان ابليس عدوهما المبين.

 ولكن إبليس وسوس لهما، وأقسم بأن الله نهاهما عن الاقتراب من هذه الشجرة التي هي شجرة الخلد، لأنه  لا يريدهما أن يكونا ملكين أو من الخالدين. فأكلا منها، فبدت لكل منهما عورته، وأخذا يستتران بورق من الجنة، فعاقبهما الله سبحانه وتعالى على معصيتهما، فطلبا المغرفة والرحمة، فقال: اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ،  ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين.

 وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22) قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ(25).

  

رابعاً - حوار الله تعالى مع نوح(عليه السلام):

 عندما دعا نوح ابنه الى ترك الكافرين وركوب السفينة، فيكون من الناجين من الطوفان، وأجابه ابنه أنه سيأوي الى جبل يعصمه من الغرق، نادى نوح ربه أن ابنه هذا هو من أهله الذي وعد الله بنجاتهم. فأجابَهُ الله تعالى: أنَّ ابنه ليس من أهله حتى ينجيه.

 (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (سوره هود/ آية: 45 – 46) .

 

 خامساً - حوار الله تعالى مع ابراهيم الخليل (عليه السلام)

 على الرغم من ايمان ابراهيم الخليل (عليه السلام) بالله سبحانه وتعالى، وقدرته المطلقة على احياء الموتى، فانه طلب منه أن يريه كيف يحيى الموتى حتى يطمئن قلبه. فاستجاب الله تعالى لطلبه قائلا له: خذ أربعة من الطير فقطعها أربعة أجزاء، ثم ضع كل جزء على جبل، ثم ادعها بأسمائها تأتيك. فأخذ ابراهيم ديكاً وغراباً وطاووساً ونسراً وقطعها أربعة أجزاء، وأمسك رؤوسها عنده، ووضع كل جزء على جبل، ثم دعاها بأسمائها فتطايرت الاجزاء من كل جبل بعضها الى بعض حتى تكاملت، ثم أقبلت على رؤوسها التي عند ابراهيم.

 يقول الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (سورة البقرة / آية:260) .

 

سادساً  - حوار الله تعالى مع موسى (عليه السلام):

 عندما بلغ موسى جبل الطور وهو مع أهل بيته في طريقه الى مصر، ناداه الله تعالى: يا موسى! اني انا الله رب العالمين. ولإقناع موسى بذلك، قال الله عزوجل، له: ألق عصاك، فألقاها، فرآها تتحرك بسرعة كالحية الصغيرة، فولى منها مدبرا هاربا. فناداه الله تعالى يا موسى، عد ولاتخف، انك من الآمنين من شرها. فعاد موسى واخذها، فاذا هي عصاً كما كانت.ثم قال  الله تعالى له: أدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء كضوء الشمس من غير سوء، فذانك حجتان لك من ربك على فرعون و قومه لدعوتهم الى الله التخلي عن فسقهم وشركهم. فقال موسى: رب! انى قتلت منهم نفسا فاخاف ان يقتلون، واخي هارون أفصح مني كلاماً – وكان على لسان موسى رتة – فأرسله معي معيناف لي بعبر عني ويصدق قولي، فاستجاب الله لرغبته قائلا: سنشد أزرك بأخيك  هارون، ونجعل لكما الغلبة فلا يصلكما سوء. ثم بعد حين، نادى موسى ربه قائلا: ربنا! لقد آتيت فرعون و قومه أموالا كثيرة، فاضلوا بذلك عبادك عن طاعتك فاطمس على أموالهم وأرهم العذاب الاليم. فقال الله تعالى له ولهارون: لقد استجبت لدعوتكما، وأغرق فرعون وجنده في البحر.

 يقول الله جل و علا: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآياتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) (سورة القصص / آيه: 30 – 35).

 كما يقول الله تعالى: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) )قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (سورة يونس/ آية 88 – 89)

 ولم يكن الحوار القرآني بين الله وملائكته وأنبيائه فحسب، بل تعدى ذلك الى الحوار بين الانبياء والبشر، والى تدخل الله في ذلك الحوار، فالآيات الأولى  من سورة المجادلة مثلا، تخاطب النبي محمداً (ص) قائلة: ان الله يا محمد قد سمع مقالة المرأة التي تكلمك في شأن زوجها الذي ظاهرها، وتتضرع الى الله لمعرفة حكمه. والحكم هو أن الظهار منكر  وافك مبين.. ألخ.

 (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) (المجادلة/ 1-2).

 كما أن الله تعالى يخاطب نبيه محمداً(ص) في الآيتين الواحد والستين والثالثة والستين من سورة آل عمران قائلاً: من جادلك في عيسى بأنه لم يكن الله، ولا ولده، ولا شريكه، كما جاءك البيان من عندي، فقل: - والخطاب هنا موجه إلى وفد نجران من أحبار النصارى (تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ(63).

  (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) (سورة آل عمران/ آية61 - 63)

 واذا كان الحوار مبدأ دينيا، فذلك يعني أنه من جملة  الامور الفطرية التكوينية التي جعلت في بني آدم من أجل خيرهم، وهذا مما يقتضي ضرورة اعتماد الحوار بين جميع الناس عند اختلافهم في أمر من الامور. وقد كان الحوار وسيلة من الوسائل الناجعة التي استعملها رسل الله في محاولة اقناع الناس بما يدعون اليه من ديانات، ومن سلوك سبيل الحق والرشاد، والبعد عن طريق الضلال والظلم والطغيان.

 والدعوة الى الحوار العقلي المنطقي الهادىء الرزين بصدر رحب وطول أناة، اعتمادا على الحجج والبراهين، جاءت في قول الله تعالى في الآيتين الخامسة والعشرين بعد المائة والسابعة والعشرين بعد المائة من سورة النحل، (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125).

  (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) (النحل:127).

  وكذلك في الآية الحادية عشرة بعد المائة من سورة البقرة، متحدثاً إلى نبيه محمد (ص): (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:111) .

 وعن الرسول الاكرم محمد (ص) :  (أمرنا معاشر الأنبياء أن نكلم الناس  بقدر عقولهم).

 واذا كان الحوار يشترط مراعاة عقول المحاورين، ومقدار علمهم وفهمهم حتى يكون مثمرا ونافعا، فانه كذلك، يشترط عدم التعنت فيه عن جهل أو مكابرة، والقول بغير علم،عملا بقول الله تعالى في الآية السادسة والثلاثين من سورة الاسراء: (ولا تقف ما ليس لك به علم).

 وخلاصة القول، انالحوار اذا كان من المبادىء التي اقرها الله ورسوله، واستعمله الله عزوجل نفسه مع ملائكته وأنبيائه، كما استعمله الرسل مع الناس على اختلافهم، وبخاصة نبينا محمد (ص)، فمن  الاولى أن يكون الحوار أمرا مندوبا اليه، ومنهجاً للمسلمين عند الاختلاف فيما بينهم في أمر من امورهم السياسية، أو في موضوع من المواضيع العقدية أو التشريعية لاسيما وأنهم جميعا يؤمنون بقرآن واحد لا خلاف على ما جاء بين دفتيه، ويتبنون سنة رسول الله الصحيحة، ويتعرضون اليوم في عصر العولمة الفكرية والثقافية والسياسية والتجارية الاستعمارية الغربية الاميركية، لأشرس هجمة على معتقداتهم الدينية وقناعاتهم السياسية والاخلاقية، مما يحتم عليهم الوقوف صفا واحدا ازاء هذه الحرب المنظمة عليهم، في أفغانستان والعراق والسودان والصومال وفلسطين ولبنان و سوريا و ايران وتناسي خلافاتهم المذهبية الفقهية التي لا تفسد في الأساس هويتهم الاسلامية الواحدة، القائمة على الايمان بكتاب الله الواحد: القرآن الكريم، وبسنة نبيه محمد(ص) رسوله الى العالمين.

 ويبقى على علماء الأمة من جميع المذاهب أن يبادروا الى اعلان موقفهم الاسلامي الواحد الرافض لكل ما يدبر لها في دوائر الاستعمار والاستكبار العالمية الصهيونية، وأن يصدروا الفتاوى الشرعية التي تدعو الى وجوب وحدةالامة دينياً وسياسياً، وتحرم  التعصب الديني المذهبي، وتدين تكفير بعض المسلمين لبعضهم الآخر.