فكرة عن الاستراتيجية المقترحة للتقريب ونصها
فكرة عن الاستراتيجية المقترحة للتقريب ونصها
الشيخ محمد علي التسخيري/الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
فكرة عن الاستراتيجية
تطرح في هذا المجال مصطلحات من قبيل:
1 – رسالة المؤسسة أو الوزارة أو حتى الدولة في مجال معين
ويراد من ذلك تبيين سرتشكيلها وفلسفة وجودها.
2 – الأهداف الرسمية
وتطلق على مجموعة الاهداف العليا والشعارات التي تمثل أبعاد رسالة المؤسسة بشكل عام وغير قابل للتقدير.
3 – الافاق المنظورة
وتعني الصورةالتي تملكها المؤسسة عن نهاية مسيرة مشخصة خلال مدة مناسبة (تصل إلى عشرين سنة – عادة أوأكثر) ويجب أن تتمتع بما يلي:
أ – أن تعكس ملامح الأهداف الرسمية بشكل أوضح و توضح مستقبل المؤسسة
ب – أن يسهل تشخصيها ولو من خلال إعطائها أبعاداً محسوسة أو التمثيل لها بمثيلات سبق تحقيقها أو غير ذلك.
ج – أن تمتلك جاذبية واسعة تستهوي العاملين في المؤسسة فكرياً وعاطفياً وتحقق مصالح كل ذوي العلاقة
د – أن يكون تحقيقها ممكناً.
هـ – أن تمتلك خاصية صياغة الاتجاه فليس فيها ابهام .
و – ان تمتلك خاصية المرونة بحيث تستوعب مختلف الظروف
ز – أن يسهل توضيحها وتركيزها في ذهن الاخرين.
وتترتب على امتلاك هذا التصور أهداف منها:
1 — وضوح الاتجاه العام للمؤسسة مما يرفع الاختلاف في وجهات النظر بين المسؤولين فيها و يمهد للتخطيط والتصميم ويمنع الاختلاف في الاجابة على التساؤلات التي تنطرح باستمرار حول جدوى هذه الخطوة أو تلك. ذلك لأنها تحدد المسيرة في سؤال واحد: هل تنسجم هذه الخطوة مع هذه الافاق أم لا؟
2 — حدوث الدافع بين العاملين وتنظيم حركتهم وجعلها في اطارها العام شريطه أن يتم تجسيد هذه الآفاق في نظرهم بشكل مولد للحوافز مما لا يحتاجون معه حتى المراقبين و مفتشين.
3 — إيجاد التنسيق بين مختلف النشاطات ذلك أن وجود هذه الآفاق تنقل أنظار المسؤولين من التوفيقات الفرعية إلى النجاح الجمعي، بحيث يصرفون النظر عن أي نشاط فرعي – حتى لو كان موفقاً على مستواه الخاص في سبيل تحقيق المصالح العامة للمؤسسة.
4 — الاستراتيجية:
قد تطلق الاستراتيجية على الأهداف الرسمية فقط، ولكن الاتجاه الذي نختاره والذي درجت عليه الاستراتيجيات الرسمية والمعروفة يجعلها تشمل مايلي:
1 — مقدمة للتعريف بالمفاهيم والمصطلحات، ولشدة أهميتها تدخل كفصل أول.
2 — تحديد رسالة المؤسسة.
3 — تحديد أهدافها الرسمية.
4 — تحديد آفاقها المنظورة.
5 — تحديد مجالات عمل المؤسسة.
6 — تحديد القيم والسياسات الحاكمة على المسيرة.
7 — تحديد الأساليب والوسائل العامة لتحقيق الأهداف.
5 — الأهداف المرحلية طويلة الأمد:
وهي أهداف توضع لمسيرة خمسية – عادة – وتمتاز بوضوح أكبر وقياس أكثر دقةً لقربها من التقدير الكمي الواقعي المدرك، الفعال القابل للتقسيم إلى دورات صغيرة وربما سنوية.
6 — الأهداف قصيرة المدى:
وتكتشف من تعيين الأهداف السابقة وتحليلها وتكون عادة سنوية.
7— البرنامج السنوي:
وهنا تتعين كل تفصيلات البرامج وميزانياتها والكادر اللازم فرداً فرداً بعد أن تكون التقديرات في المراحل السابقة إجمالية ويلاحظ:
1— إننا كلما سرنا من الكل إلى الجزء ازداد الوضوح إلى أن يصل إلى ما يقرب من المحسوس
2 — ان الانسان المخطط قد يطوي هذه المراحل بسرعة ودونما انتباه. ولكن تفصيلها يوقفنا على نقاط الخلل في كثير من الأحيان وهكذا كتب علم المنطق قديماً.
كانت هذه فكرة لازمة للوصول إلى المطلوب.
نموذج إسلامي
وإذا شئنا أن نسستقي من النصوص والأحكام الاسلامية مثلاً يحتذى به قلنا:
لنركز مثلاً على الجانب الاقتصادي في المجتمع الإسلامي; فإن الرسالة التي تضعهاالنصوص على عاتق الرسل وولاة الامر هي اقامة المجتمع العادل.
(لقد أرسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط([1])) فمن أهداف الرسل إقامة العدالة الاجتماعية. ويمكن على نفس الضوء أن نكتشف أن الأهداف الرسمية تتمثل في نقطتين أساسيتين هما: تحقيق التكافل و ضمان التوازن بين مستويات المعيشة وعلى ضوء هذه الأهداف يمكن تصوير الأفق المنظور كما يلي: (الوصول إلى مجتمع: يعمل بما يستطيع على تنمية الإنتاج.
وفي مجال التوزيع:
1— يكفل لكل الأفراد حاجاتهم الضرورية والطبيعية.
2— يسوده نوع من التعادل في مستوى العيش.
ويحمل هذا الأفق كل الخصائص اللا زمة: فهو أفق يعكس الأهداف الرسمية، ويسهل تشخيصه لأنه يملك أبعاداً محسوسة، كماأنه هدف جذاب، وممكن التحقق. وله قدرة التوجيه، وفيه خاصية المرونة، بالإضافة لسهولة توضيحه للآخرين.
ولكي يتم تحقيق هذه الأهداف يجب تطبيق سياسات معينة من قبيل:
1 — العمل الجاد لدفع كل الطاقات نحو العمل، وتوفير مجالاته وأدواته ومقدماته، وتنمية القدرات العلمية اللازمة.
2— السعي نحو محو كل أنماط التبذير والإسراف والحيلولة دون إضاعة الثروات الإنسانية والحيوانية والطبيعيةالأخرى، ومنها امتلاك مستويات عالية من العيش المترف.
3 — دعم الأفراد العاجزين للوصول الى خط (الغنى) - كما تعبر النصوص الاسلامية - عبر رفع مستوى التأمين الاجتماعي الشامل
وقد وفر الإسلام الإمكانات الطبيعية والتشريعية اللازمة.
وعلى أساس ذلك تنسق أهداف مرحلية طويلة المدى وقصيرتها وتنظم خطة خمسية وبعدها خطط سنوية واقعية.
نبذة عن محاولات وتجارب سابقة لتنظيم استراتيجية للتقريب بين المذاهب الاسلامية
وهنا نجد من اللازم استعراض التجارب السابقة لما فيها من ثراء و أثر على تجربتنا الحالية:
1— التجربة الأولى: دار التقريب في القاهرة
ويلمح المرء الكثير من المعالم في هذه التجربة الرائدة وإن لم تكن خطوط الاستراتيجية واضحة تماماً.
فالبيان الأول الذي صدر في العدد الأول من مجلة رسالة الاسلام بتوقيع العلامة الشيخ عبدالمجيد سليم رئيس لجنة الإفتاء في الأزهر الشريف تحدث عن الأسس التي يقوم عليها التقريب وأنه لا مجال للخلاف في الأحكام الثابتة وإنما يسمح بالاجتهاد في الأحكام الاجتهادية، فهو امر مقبول شرعاً.
كما تحدث عن تحول الخلاف الطبيعي الى عصبية جامدة أدت إلى سفك الدماء ومزقت الأمة وهو ما كان يخشى منه الرسول (ص) وهو بالتالي يشكر الله على أن جعله يشهد عصر التآلف بين أتباع المذاهب الأربعة ويدعوه تعالى ان يشهده عصر التآلف بين طوائف المسلمين.
وهي امور اتفق معه فيها العلامة كاشف الغطاء في مقال علق فيه على البيان الآنف مع شيء من التفصيل في أهم قضية خلافية وهي (الامامة).
وهكذا نجد الشيخ المازندراني – من علماء إيران – يطرح نفس المسألة ولايراها موجبة للشقاق وكأنه كان يركز على القاعدة الذهبية (نتعاون فيما اتفقنا عليه و يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه)
وهكذا نجد أول بيان لجماعة التقريب أيضاً يركز على كون (القرآن والسنة) اساسين للاسلام في رأي كل المسلمين، وانفتاح باب الحرية للبحث و الاجتهاد فازدهر الفقه، ولكن رياح التعصب مزقت الأمة فدخلت مرحلة الركود.
ولعلنا نجد في ما جاء في المادة الثانية من القانون الاساسي لجماعة التقريب بعض الأهداف الرسمية إذ جاء فيها:
1— لزوم العمل على جمع كلمة أرباب المذاهب الإسلامية
2— نشر المبادىء الإسلامية باللغات المختلفة
3 — السعي لحل النزاعات بين الشعوب والطوائف الإسلامية.
وترددت في كلماتهم لفظة (رسالة التقريب) وراحوا يسعون لتوضيح معالم التقريب وأبعاده عن فكرة دمج المذاهب أو التبشير وغير ذلك([2]) وواضح إنا لا نتوقع استراتيجية متكاملة في هذه المرحلة المبكرة.
2 — الميثاق التأسيسي للعلامة شمس الدين
وبعد ان يشير في مقدمته الى التجربةالرائدة في القاهرة، وإلى تجربة العلاقات التي أرساها المرحوم البنا مع علماء الشيعة، يتحدث عن خطاب الوحدة في العقيدية والشريعة ثم يؤكد أن الدعوة إلى حذف الآخر دعوة غير طبيعية ولا تخدم عملية الوحدة. ثم انه يؤكد اننا يجب أن نستهدف تحقيق التقريب بين كل المذاهب الإسلامية على عزار ما تم من تقريب بين المذاهب الأشعرية ويعتبر ذلك أحد الأهداف الكبرى، وهو في الواقع يمثل تصوراً لأفق منظور محسوس.
ومن السياسات التي يطرحها موضوع منع التبشير داخل الإسلام وحمل أتباع مذهب على ترك مذهبهم واتباع الآخر بالأسلوب التبشيري ولامانع من عمليات الاغناء والاضافات والتكامل.
كما يدعو للانفتاح الفقهي على مستوى الدراسة والاجتهاد عبر انشاء هيئة لقضايا الوحدة والتقريب وإصدار مجلة عالمية بلغات حية.
ثم يؤكد الميثاق على ضرورة العمل على قبول الآخر عبر القيام بما سمي بعملية الحوار بين الأديان والحضارات. كما يدعو لحل الخلافات السياسية ذات الجذور الطائفية والفتاوى التعصبية. ويدعو إلى علم كلام جديد على أساس اعتبارالحقائق التالية:
1— ان الوحدة هي من حقائق العقيدة.
2— التركيز على الأثر العملي لأصول الدين.
3— ان الدعوة الى الوحدة لا تعني إلغاء المذاهب أو دمجها أو التلفيق بينها، بل تعني الارتكاز إلى الثوابت العامة المشتركة في العقيدة والشريعة.
4— إن الخلافات بين السنة والشيعة هي من طبيعة الخلافات بين مذاهب أهل السنة نفسها.
5 — اعتماد الدراسات المقارنة في مختلف المجالات (القرآنية، وبحوث السنة).
6— إن الخلافات السياسية للحاكمين سيست الخلافات المذهبية فيجب نفي التوجهات السياسية من الهيكل المعرفي الإسلامي.
وبعد هذا يؤكد على أن الوحدة لا تعني محو الكيانات الخاصة، فلا مانع من التعددية السياسية والتنظيمية ويعتبر ذلك من منهج أهل البيت (عليهم السلام).
وفي نفس السياق يقدم تفسيراً آخر للتقية معتبراً إياها احدى المحاولات العملية التي بذلوها من أجل المحافظة على الوحدة.
ثم يعتمد الأسس التالية أسساً للميثاق:
أولاً: الثوابت الكبرى في ا لاسلام توحد المسلمين ويتمثل فيها كيان الأمة.
ثانياً: التمذهب ظاهرة طبيعية ولا يعتبر تمزقاً، والمذاهب تتمتع بالشرعية الكاملة من دون اعتبار لكونها تشكل أكثرية أو أقلية، ويجب احترام عقائدها وفهمها.
ثالثاً: ان المرجع في فهم المذهب هو علماؤه وكتبه المعتمدة، وليس الآراء الشاذة منه أو ما يقوله عنه الآخرون.
رابعاً: تحريم التبشير داخل الإسلام، ولامانع من الانتقال الفردي من مذهب لآخر بحسب القناعات ويجب احترامها.
وهنا يدعو لتعزيز حركة فتح باب الاجتهاد مع الإشارة إلى نوعين من الاجتهاد أحدهما يلبي حاجة أتباع المذهب، والآخر يلبي حاجة الامة. تقوم به مجامع فكرية وعلمية. و يشير هنا الى دعوة الإمام البروجردي للتركيز علىالجانب المرجعي العلمي لاهل البيت (ع) وتأجيل البحث عن الجانب السياسي التاريخي.
خامساً: عدم اعتبار الحالة الأقلية والأكثرية، ويركز هنا على طبيعة الاتجاه الوحدوي لدى المذهب الإمامي([3]) ونلاحظ هنا وضوحاً اكبر وتنسيقاً أوسع وجرأة في الطرح وتحديد المصطلحات.
3 — تجربة مؤسسة الامام الخوئي الخيرية
حيث دعت بشخص رئيسها المرحوم حجة الاسلام السيد عبدالمجيد الخوئي إلى مؤتمر عقد في دمشق في 10/12/1999 م أي في الأيام الاخيرة من القرن العشرين (23 ذي الحجة 1420هـ)، ركز على قضية استراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية وشارك فيه عدد من علماء المذاهب ومفكريها وعدد من المراكز والحواضر العلمية في العالم الاسلامي و خارجه، وإذا تجاوزنا كلمات الافتتاح والترحيب التي ركزت على اللقاء والتقارب والوحدة فإننا نجد المحاضرات ركزت على:
1— أدب الحوار
2— احتواء الأزمات المذهبية
3— ثقافة التقريب
4— الداراسات المقارنة
5— أهمية الاجتهاد
6— دور المؤسسات في عملية التقريب
7— ضوابط النقد العلمي
8— استراتيجية التقريب
9 — خلفيات الخلافات بين المسلمين
10 — مظاهر الفرقة بين المسلمين
11— الخطط العملية لرأب الصدع
12— فكرة الإسلام بلا مذاهب
13— ضرورة التقريب
واكتفى البيان الختامي بالدعوة الى:
1— دعوة المنظمات والمؤسسات للعمل على تحقيق التقريب
2— تعميم ثقافة التقريب
3 — العمل على إصدار الكتب والمنشورات الدورية
4— استخدام الأجهزة الإعلامية
5 — دعوة وزارات التربية والتعليم إلى اعتماد ثقافة التقريب
6— الطلب من المنظمات الثقافية لتقوم بتنظيم اللقاءات التقريبية
7 — الدعوة للتأكيد عليها في خطب الجمعة والدروس الدينية
8 — دعوة المؤلفين لدعم تأجيج الخلافات
9- تيسير حركة الكتاب بين الدول الإسلامية
ورغم ما طرح في المؤتمر من بحوث قيمة والإشارة إلى بعض أبعاد الاستراتيجية، إلا اننا لا نلمح تقدماً على هذا الصعيد إلا نادراً وهذا المعنى لا يعني عدم تقديرنا لهذا الجهد المبارك.
4— تجربة الايسيسكو العلمية:
وتعد الإيسيسكو أهم منظمة إسلامية اهتمت بالتقريب هدفاً استراتيجياً وذلك لأنها الجبهة المختصة بهذا الجانب ولاهتمام مديريها بذلك، خصوصاً الأستاذ الدكتور التويجري الذي قادها إلى آفاق واسعة. وقد قامت الإيسيسكو بوضع استراتيجيات منها:
- استراتيجية تطوير التربية الإسلامية في البلاد الإسلامية، عام 1988.
— الاسترا تيجية الثقافية للعالم الاسلامي 1991
- استراتيجية تطوير العلوم والتكنولوجيا في البلدان الاسلامية، 1997
- استراتيجية العمل الثقافي في الغرب، 2000
-استراتيجية الاستفادة من العقول المهاجرة في الغرب، عام 2002م
كما اهتمت بقضية التقريب بين المذاهب الإسلامية، فعقدت ندوتين احداهما عام 1991 والثانية عام 1996 وعهدت إلى فريق من العملاء والمتخصصين بوضع مشروع (استراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية) ثم قدمته الى مؤتمر وزراء الخارجية في الدول الاسلامية في دورة طهران (الدورة الثلاثين عام 2003) فتمت الموافقة عليه، ثم قدم إلى مؤتمر القمة الإسلامية العاشر في بوتراجايا – ماليزيا فوافق عليه.
وهذه جهود جبارة مشكورة حقاً
وقد بدأت بمقدمة ركزت على:
1— شروط سلامة استراتيجية التقريب وهي: حسن النية، والحوار القائم على اسس منطقية، والاستعانة بالخبراء وتبني الحكومات والعلماء لهذه الدعوة، وإسهام المؤسسات في التطبيق
2— الأسس الفكرية للتقريب وفي مقدمتها:
أ— نقاء الشريعة من الاختلافات الفكرية.
ب— كثرة الأحكام التشريعية التي تجمع المذاهب وتوحدها.
ج— الثروة الفقهية الواسعة الناتجة من تعدد الاجتهادات التي أدت إلى تدوين الحديث وجمع الأدلة وتوسيع قواعد الاجتهاد صيانة للمسيرة.
3— أهمية التقريب وتنطلق من:
أ— مقاصد الإسلام إلى توحيد الكلمة.
ب— مقتضيات حال المسلمين وواقعهم
4— مسؤولية التقريب و تقع على عاتق الأجهزة والمؤسسات والهيئات الحكومية وغير الحكومية فهي مسؤولية جماعية.
5— الاختلاف في الفروع والأصول
ذلك ان المذاهب الفقهية دون استثناء قد وقفت اجتهاداتها عند الفروع فكانت سعة ورحمة واستجابة. لتنوع الأمة ومصالحها، وان أئمة المذاهب قبلوا مسألة التلمذ على غيرهم وانفتحوا على الآخر دون أن يأخذوا بأسباب القطيعة، وأنه يجب تحديد منهج دقيق للتقريب، وأن الاختلاف الفقهي بين الفقه الجعفري وبين فقه مذاهب السنة لا تزيد كثيراً عن الاختلافات بين المذاهب السنية الأربعة ذاتها، وأن الاختلافات هنا لا تضعف الكيان الواحد للأمة لأن ميدانها الفروع، و أن أخذ الموسوعات العلمية بالمذاهب الفقهية الثمانية وافتاء الأزهر الشريف – مثلاً – بجواز التعبد على المذهب الجعفري، واعتماد تدريسه، فان ذلك يشكل نموذجاً صحيحاً للتنوع. فنحن بحاجة الى توسعة اجتهادية منضبطة في اطار وحدة الأصول.
والأمة مجتمعة على الأصول وهي: (العقيدة) و(الشريعة) و(الأمة) مما يثمر الوحدة في (الحضارة) وفي (دارالإسلام). وفي هذا الإطار فلا مانع من التعددية الطبيعية دونما حواجز وتهم (التكفير، والتفسيق، والتبديع.)
والتقريب مطلوب عبر البعد عن الخلاف العقدي ، ونفى عناصر التكفير، ونقل الخلاف من خانة الكفر والإيمان إلى خانة الخطأ والصواب.
ويتحدث الفصل الأول عن فقه الاختلاف وجهود التقريب مبتدئاً بالتذكير بكيد الأعداء للأمة، واشتداد الخلاف بين طوائف المسلمين خلافاً أعمى احياناً فتضطرب الموازين وهو ما حذر منه القرآن الكريم. ثم يعرض أحاديث شريفة في أهمية التوحيد والائتلاف ، ويستعرض احترام السلف لآراء المخالف، والحفاظ على الأخوة، مع التأكيد على ما يلي من ملاحظات:
1— ان التقريب لا يعنى تذويب المذاهب، بل هو خطوة للتآلف.
2— ضرورة الفصل بين الاختلافات الفكرية الطبيعية وبين مسارات الأحداث الدامية تاريخياً.
3— ان التبليغ السيء عن المذاهب يمزق الأمة.
ثم يطرح الفصل عنواناً يتحدث فيه عن الجهود المبذولة في سبيل التقريب، حيث بدأت ملامح التمايز في القرن الثاني وغذت الخلافات السياسية حدة الخلاف والتعصب، إلا أننا شهدنا صوراً رائعة للتسامح.
ويستطرد قائلا: ان علياً(ع) رغم خلافه مع بعض الصحابة وماجرى من حوادث اثناء حكمه فان صدره لم يعرف الحقد، وإنه كان لايرضى أن يتفوه أحد بسوء ضد من سبقه من الخلفاء الراشدين.
ثم إن أئمة المذاهب أخذ بعضهم العلم عن الآخر ونصر بعضهم البعض الآخر، ورفض مالك راي المنصور في فرض تعليم الموطادون غيره.
وقد روى الشريف الرضي في تفسيره عن علماء السنة وذكر السيوطي ان صحيح مسلم ملآن من الشيعة.
وفي القرن الرابع الهجري اشتهرت المناظرات العلمية بين الباقلاني والشيخ المفيد، واشتهر الشيخ الطوسي شيخ الشيعة في القرن الخامس بمنهجه المتوازن حتى فوض اليه الخليفةالعباسي أهم كرسي علمي، وقد تتلمذ الفخر الرازي على الشيخ سديد الدين الحلي، وتتلمذ الشهيد الأول على يد أربعين من علماء السنة. وفي القرن التاسع عشر ظهر السيد جمال و رشيد رضا، ثم قامت دارالتقريب في القاهرة في منتصف القرن العشرين، وكان لمؤسسة آل البيت الاردنية دورها التقريبي وانشىء المجمع العالمي للتقريب في عام 1991 وهكذا يستمر العرض. ويركز الفصل الثاني على مفاهيم التقريب ومصادره وبعد تعريفات موجزه لكل من (الاستراتيجية والتقريب والمذاهب والخلاف والمسائل) يتحدث عن المصادر والادلة التي تنقسم الى:
أدلة نقلية: هي الكتاب و السنة ويلحقهما الإجماع.
وأدلة عقلية: كالقياس والمصالح المرسلة والاستحسان والعرف وسد الذرائع والاستصحاب والعقل. وبعضها متفق عليه وبعضها نقلي مختلف فيه (وهي ما عدا ذلك) والفهم الدقيق لها يؤدي للتقريب.
أما الفصل الثالث فيتحدث عن نشأة المذاهب وتطورها ومحوره الأول: نشأة المذاهب ويقف فيها عند ثلاث مجالات:
* سياسي، و يرى ان الفتنة في عهد الخليفة الثالث قد قسمت المسلمين في عهد علي الى خوارج وشيعة ومرجئة وأهل السنة والجماعة.
* وعقدى; حيث اختلفوا حول الامامة وقضية الايمان والكفر والقضاء والقدر والصفات الالهية.
* وهكذا يتم التحدث عن مختلف المذاهب ومناهجها وبعض قواعدها.
* وفقهي: ليستعرض المسار الفقهي ويقف بالتفصيل عند المذاهب (الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي والجعفري والزيدي والإباضي).
اما المحور الثاني فيتحدث عن أصول الفقه ودوره في التقريب وفي المحور الثالث يتحدث عن ضوابط الاختلاف الفقهي.
أما الفصل الرابع: فهو يعنون بعنوان ميادين التقريب ولكنه يعرض الوسائل كالحوار الفكري والبحث والدراسة والإعلام والتأليف ويضم إليه الحديث عن الجاليات الاسلامية.
وفي الفصل الخامس: يأتي الكلام عن أهداف التقريب وهي:
1— السعي لتضييق الخلاف بين المدارس الاجتهادية.
2— اثبات ان الخلاف ليس جوهرياً وإنما هو خلاف اجتهادات.
3 — التعريف بحقيقة التقريب.
4 — التنوية بأن المساحة الخلافية لا ينفرد بها مذهب واحد.
5 — التآلف بين قلوب أتباع المدارس.
6 — التأكيد على أن المساحةالمشتركة أكبر بكثير من المساحة المختلف فيها.
7 —الوقوف علمياً على أساس الاختلاف لمعرفة الكوامن وليسهل إخماد البراكين
ثما جاء الحديث عن أهداف استراتيجية التقريب نفسها، وأخيراً جاء الفصل السادس ليتحدث عن سبل تنفيذ الاستراتيجية والاجراءات العملية على مختلف المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.
وفي ختام عرض ملخص هذه الاستراتيجية، نرى ضرورة التنبيه على بعض النقاط:
الأولى: إن العمل في نفسه عمل رائع ومبتكر يجب أن نقدم الشكر عليه إلى هذه المنظمةالرائدة.
الثانية: هناك بعض الملاحظات التاريخية والعلمية التي نرجو تصحيحها من قبيل:
أ – تكرار بعض المطالب لمرات عديدة
ب – ان الامام الصادق تتلمذ عليه بعض الأئمة ولكنه لم يتتلمذ على أحدهم
ج — ان بعض ما ذكر تحت عنوان »الأدلة العقلية« لايشكل دليلاً عقلياً كالاستصحاب ، بل لا يقف إلى جانب »الادلة الاجتهادية« فهوأصل عملي:
د— وهناك اخطاء عند الحديث عن نشأة المذاهب.
الثالثة: هناك ما يجب حذفه من متن الاستراتيجية حتى لو أخذنا بتعريف الاستراتيجية المطروح فيها كالفصل الثالث، وهناك مجالات تداخل بين الفصول وعلى أي حال; فإنه عمل مشكور وله أثره في صياغة الاستراتيجية المقترحة.
نقاط حول الاستراتيجية المقترحة:
وعلى ضوء التعاريف العلمية، والتجارب الماضية جاء هذا المشروع المقترح الذي وافق عليه المجلس الأعلى للتقريب في 23 – 24 /12 /2005 و هو مطروح على الجمعية العامة للنظر فيه.
وهناك بعض الملاحظات التوضيحية:
الملاحظة الأولى:
إن المشروع جاء مختصراً مضغوطاً ويتحدث عن خطةعملية للمستقبل وبالتالي فكل التوضيحات والمقدمات تركت للقسم الأول الذي ستقوم باعداه لجنة مختصة ولن ندخل فيها فعلاً.
الملاحظة الثانية:
رتبت الفصول ترتيباً منطقياً
فالاول: خصص للمفاهيم الرئيسة. وجاءت التعاريف محددة
والثاني: تعرض الأسس الاصلية التي يقوم عليها التقريب
والثالث: ركز على رسالة المجمع وآفاقه المنظورة
والرابع: تحدث عن مجالات العمل التقريبي.
و تحدث الخامس عن القيم والأطر التي تحكم المسيرة.
أما السادس فتحدث عن الاهداف الرسمية والتنظيمية التي تسعى الخطط العلمية – العشرية لتحقيقها عبر وضع أهداف بعيدة المدى، وبالتالي عبر تعيين الاهداف القصيرة المدى (السنوية) التي يوضع على ضوئها البرنامج السنوي وتحدد الإمكانات المادية والبشرية اللازمة.
الملاحظة الثالثة:
إن الآفاق المنظورة المذكورة في الفصل الثالث تحمل كما نتصور الصفات التي ذكرناها في المقدمة. وهذا لا يمنع من طرح آفاق أخرى أكثر عملية وجاذبية في أثناء النقاش.
الملاحظة الرابعة:
لم يتعرض المشروع الى الوسائل المطلوب استخدامها لتحقيق الاهداف إما لانها واضحة عموماً أو لورودها اجمالاً في النظام الاساسي للمجمع العالمي والمجال مفتوح لاقتراح آكبر عدد منها عند المداولة العامة.
استراتيجية المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
تنويه:
أقدم المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية وفي إطار تحقيق أهدافه وتطلعاته على إعداد (مشروع جامع للخطة الستراتيجية) وقدمه إلى المجلس الأعلى الدولي في اجتماعه بطهران في الفترة 18 و19 شوال 1423 هـ الموافق 23 و24/12/2002م، فتمت مناقشته بالتفصيل وتعديله والموافقة عليه.
وللمشروع قسمان:
أما القسم الأول فيشكل مقدمة للاستراتيجية وهو يشمل مواضيع متنوعة منها:
أ ـ التعريفات الضرورية.
ب ـ موجز عن كيفية تشكل المذاهب.
ج ـ موجز عن أسباب اختلاف الفقهاء وغيرهم.
د ـ لمحة تاريخية عن تعامل الأئمة فيما بينهم.
هـ ـ لمحة تاريخية عن دور الحكام والمصالح الشخصية في تأجيج النزاع بين المسلمين وتحويل المذهبية الى طائفية مقيتة.
و ـ دور بعض الحكام وبعض العلماء في تحقيق التقارب.
ز ـ التقريب في العصر الحديث ودور دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة.
ح ـ كيفية انشاء المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية.
ط ـ نقاط الضعف ونقاط القوة في حركة المجمع والتقريب.
ي ـ الآفاق والتوقعات حول مستقبل حركة التقريب. وسيتم اعداده لاحقاً.
وأما القسم الثاني فهو يركز على الاستراتيجية نفسها والمتمثلة في الفصول التالية:
الفصل الأول: المفاهيم التخصصية
1 ـ التقريب:
التقريب حسب وجهة نظر المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية يعني:
التقارب بين أتباع المذاهب الإسلامية بغية تعرف بعضهم على البعض الآخر عن طريق تحقيق التآلف والأخـوّة الدينيـة على أساس المبـادئ الإسلامية المشتركة الثابتـة والأكيدة.
2 ـ الوحدة الإسلامية:
الوحدة الإسلامية عبارة عن:
التعاون بين أتباع المذاهب الإسلامية على أساس المبادئ الإسلامية المشتركة الثابتـة والأكيدة واتخاذ موقف موحد من أجل تحقيق الأهداف والمصالح العليا للأمـة الإسلاميـة والموقف الموحد تجاه أعدائها مع احترام التزامات كل مسلم تجاه مذهبه عقيدة وعملاً.
3 ـ المذاهب الإسلامية:
المقصود من المذاهب الإسلامية هو تلك المدارس الفقهية الإسلامية المعروفة التي تتمتع بنظام اجتهادي منسجم ومستند إلى الكتاب والسنة.
وإن المدارس الفقهية المعترف بها حسب وجهة نظر المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية هي عبارة عن:
المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي من أهل السنة، والمذهب الإثني عشري والزيدي والبهرة من الشيعة والمذهب الأباضي.
( على أن هناك مدارس أخرى إمّا أنها لا أتباع لها أو أنها تنضم لأحد المذاهب المذكورة، أو أنها تعبر عن آراء فردية لا تتقيد في عملها بمذهب معين ).
الفصل الثاني: أسس التقريب
تقوم مسيرة التقريب بين المذاهب الإسلامية على مبادئ عامة من أهمها ما يلي:
1ـ إن الكتاب الكريم والسنّة النبوية الشريفة هما المصدران الأساسيان للشريعة، والمذاهب الإسلامية كلها تشترك في هذين المصدرين، وحجية المصادر الأخرى رهن بكونها مستمدة منهما.
2ـ يعد الإيمان بالأصول والأركان التالية ضابطاً للصبغة الإسلامية:
أ: الإيمان بوحدانية الله تعالى ( التوحيد ).
ب: الإيمان بنبوة وخاتمية الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن سنّـته تمثل أحد مصدري الدين الرئيسين.
ج: الإيمان بالقرآن الكريم ومفاهيمه وأحكامه باعتباره المصدر الأول لدين الإسلام.
د: الإيمان بالمعاد.
هـ: عدم إنكار ضرورات الدين والتسليم بأركان الإسلام كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد و..
3ـ شرعية الاجتهاد وحرية البحث: لقد اعترف الإسلام الحنيف بالاختلافات الفكرية عبر اعترافه بشرعية الاجتهاد في إطار المصادر الإسلامية الرئيسة، ولذا على المسلمين أن يعتبروا الاختلاف في الاجتهادات أمراً طبيعياً ويحترموا الرأي الآخر.
4ـ إن الوحدة الإسلامية هي خصيصة قرآنية للأمة الإسلامية وهي مبدأ يمتلك أهمية كبرى فيقدم في موارد التزاحم على غيره من الأحكام التي تقل عنه أهمية.
5ـ إن مبدأ الأخوة الإسلامية يشكل أساساً عاماً لنوعية التعامل بين المسلمين.
الفصل الثالث: رسالة المجمع وتطلعاته
تتلخص رسالة المجمع العالمي للتقريب في:
النهوض بمستوى التعارف والوعي وتعميق التفاهم بين أتباع المذاهب الإسلاميـة وتعزيـز الاحترام المتبادل وتوطيد أواصر الأخـوة الإسلاميـة بين المسلمين مع تجنب التمييز بشأن انتمائاتهم المذهبية أو القومية أو الوطنية بغية تحقيق الأمة الإسلامية الواحدة.
تطلعات المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية:
يعد المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية الذي يضم بين صفوفه العشرات من علماء المذاهب الإسلامية من مختلف دول العالم ؛ أحد المراكز المهمة التي عرفت بدعوتها للتقريب والوحدة في العالم الإسلامي ومهدت للتعامل البناء بين أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة. في هذا السياق، ينوي المجمع تحقيق النقاط التالية على مدى السنوات العشر القادمة:
1ـ السعي إلى جعل الوضع الذي يعيشه المجتمع الإسلامي المعاصر أقرب ما يكون إلى ظروف ووضع عصر الرسول الأكرم (ص) من حيث التأسي بجوانب الأخوة الدينية والقضاء على أجواء العداوة والعصبية الطائفية بين أتباع المذاهب الإسلامية.
2ـ توسيع نطاق التضامن القائم فعلاً بين بعض المذاهب الإسلامية ليشمل كافة المسلمين وسائر المذاهب الإسلامية.
3ـ تقبل عامة المسلمين للخلافات بين المذاهب والمنبثقة عن الاجتهاد المنضبط.
4ـ اقتداء الأتباع بسلوك أئمة المذاهب الإسلامية بعضهم مع بعض وتوسيع نطاق العمل به بين أتباع المذاهب اليوم.
الفصل الرابع: مجالات التقارب
تشمل مجالات التقريب الإسلامي بين المذاهب جوانب حياة أتباع هذه المذاهب كافة حيث يمكن الإشارة إلى الجوانب التالية:
العقائد:
للمذاهب الإسلامية كافة رؤية مشتركة واحدة حول الأصول العقائدية والأركان الإسلامية والخلاف في فروعها لا يخل بأصل الإسلام والأخوة الإسلامية.
الفقه وقواعده:
وفقاً لوجهة نظر محققي فقهاء المذاهب، فإن الأبواب الفقهية تتضمن نسبة عالية من النقاط المشتركة والاختلاف في بعض المسائل الفقهية أمر طبيعي مردّه إلى فهم الفقهاء واجتهاداتهم.
الأخلاق والثقافة الإسلامية:
ليس للمذاهب الإسلامية خلاف في الأصول الأخلاقية والثقافة الإسلامية على الصعيد الفردي والاجتماعي. والرسول الأكرم(ص) أسوة الأخلاق لدى المسلمين كافة.
التاريخ:
ولا ريب أن المسلمين يتفقون على وحدة المسيرة التاريخية في مفاصلها الرئيسة والاختلافات الفرعية والتفصيلية يمكن طرحها في جو هادئ والوصول الى موارد كثيرة للاتفاق. وعلى أي حال، فيجب أن لا تترك الخلافات آثارها السلبية على المسيرة الحاضرة للأمة.
المواقف السياسية للأمة الإسلامية:
لا شك أن المسلمين كافة لهم عدو مشترك، ينبغي لهم الوقوف بوجهه في صف واحد كأنهم بنيان مرصوص. علماً بأن سمات وميزات الأمة الإسلامية تحتم هذه الضرورة فضلاً عن أنه لم يرد منع في أي من المذاهب الإسلامية في هذا المجال، ولذا ينبغي لقادة وعلماء الإسلام والمفكرين الإسلاميين تبني سياسة موحدة تجاه الأعداء.
الفصل الخامس: المبادئ والقيم
يتمسك المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في منهجه الإصلاحي وتنفيذ برامجه انطلاقاً مما سبق بالمبادئ والقيم أدناه:
1ـ ضرورة التعاون الكامل في الموارد التي يتفق المسلمون عليها.
2ـ ضرورة اتخاذ موقف منسق وواحد في مواجهة أعداء الإسلام.
3ـ تجنب تكفير وتفسيق المسلمين الآخرين ورميهم بتهمة البدعة: علينا كمسلمين يقبلون بمشروعية الاجتهاد في إطار المصادر الإسلامية الرئيسة، أن نقبل مستلزمات هذا المبدأ وتبعاته حتى لو كان الرأي الإجتهادي خطأ في نظرنا. لذا ينبغي الهبوط بمرتبة الاختلافات من الكفر والإيمان إلى مرتبة الخطأ والصواب.
كما لا ينبغي لأحد من جانب آخر أن يكفر الآخر بسبب لوازم حديثه أو رأيه تقود حسب رأينا إلى إنكار أصول الدين، فقد يكون غير ملتزم بهذه اللوازم.
4ـ التعامل باحترام عند الاختلاف: حينما يوصي الإسلام بنوع من التحمل الديني في علاقاته مع باقي الأديان ويطلب من المسلمين أن لايسيئوا للمقدسات الفكرية والعقائدية الباطلة للآخرين؛ فإن من الأولى أن يؤكد في إطار العلاقات بين المسلمين على مبدأ تجنب الإساءة لمقدسات أتباع المذاهب الإسلامية وأن يعذر بعضهم الآخر فيما يختلفون فيه.
5ـ حرية اختيار المذهب: إن مبدأ حرية اختيار المذهب مبدأ عام في العلاقات الفردية، فكل شخص حر في اختيار مذهبه الإسلامي، ولا ينبغي للمنظمات والحكومات أن تفرض على أحد مذهباً دون غيره بل تعترف بالمذاهب الإسلامية جميعاً.
6ـ حرية العمل بالأحكام الشخصية: فيما يتعلق بالمسائل الخاصـة بالأمور الشخصية، فإن أتباع المذاهب الإسلامية يتبع كل منهم الأحكام المتعلقة بمذهبه، سوى ما كان مرتبطاً بالنظام العام، حيث تكون كلمة الفصل للقوانين المنصوص عليها في بلادهم التي تديرها حكومة شرعية.
7ـ استناداً لما ورد في سورة الزمر المباركة (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)، دعا القرآن الكريم المسلمين إلى اعتماد مبدأ الحوار السّلمي مع الكفار وأهل الكتاب بعيداً عن التهويل والضوضاء وذلك من أجل بلوغ الحقيقة. من أجل ذلك وجب على المسلمين من باب أولى أن يتم حل اختلافاتهم عن طريق الحوار السلمي ومراعاة آدابه فيما بينهم.
8ـ لزوم اهتمام جميع المسلمين بالجانب العملي للتقريب وتجسيد هذه القيم في حياتهم والسعي الشامل لتطبيق الشريعة الإسلامية في كل جوانب الحياة.
الفصل السادس: الأهداف الرسمية والتنظيمية
الهدف الرسمي 1: المساعدة في أمر إحياء ونشر الثقافة والتعاليم الإسلامية والدفاع عن ساحة القرآن وسنة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
الهدف الرسمي 2: السعي في سبيل تحقيق التعارف والتفاهم الأكثر بين العلماء والمفكرين والقادة الدينيين للعالم الإسلامي في المجالات العقائدية والفقهية والاجتماعية والسياسية.
الهدف الرسمي 3: إشاعة فكرة التقريب بين المفكرين والشخصيات النخبوية في العالم الإسلامي ونقله إلى الجماهير المسلمة وتوعيتها بمؤامرات الأعداءالمفرقة للأمة.
الهدف الرسمي 4: السعي لتحكيم وإشاعة مبدأ الاجتهاد والاستنباط في المذاهب الإسلامية.
الهدف الرسمي 5: السعي لإيجاد التنسيق وتشكيل الجبهة الواحدة في قبال التآمر الإعلامي والهجوم الثقافي لأعداء الإسلام وذلك وفقاً للمبادئ الإسلامية المسلّم بها.
الهدف الرسمي 6: نفي موارد سوء الظن والشبهات بين أتباع المذاهب الإسلامية.
في الختام نقول:
على ضوء هذه الاستراتيجية وضعت خطة عشرية بموافقة المجلس الاعلى ويقوم المجمع بتنفيذها لسنتين متواليتين. ولاريب ان اي تعديل تقوم به الجمعية العامة على الاستراتيجية سوف يترك أثره الكامل على الخطة التفصيلية (بعيدة المدى وقصيرته).
والله الموفق والهادي الى سواء السبيل.
([1]) الحديد:25.
([2]) هناك مجموعة من الكتب تشير إلى هذه التجربة منها:
دعوة التقريب: اصدار المجلس الأعلى، ملف التقريب للأستاذ الدكتور محمد علي آذرشب. ويمكن مراجعة أعداد مجلة رسالة الاسلام التي أعاد طبعها المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية.
([3]) مجلة رسالة التقريب: العدد 33، ص 177