حالة المسلمين اليوم
حالة المسلمين اليوم
أ.د. محمد العاصي/خطيب وامام مقاطعة واشنطن - اميركا
مما لايشك فيه مفكر ان المسلمين اليوم منقسمون على بعضهم تتناوشهم مخالب الاعداء ويطمع في ثرواتهم كل صاحب سطوة وقوة.
تفرق المسلمون الى دويلات وجنوا على أنفسهم ويلات فهاهي ذا القواعد العسكرية الاجنبية بالعشرات تنتشر من المحيط الهادىء الى المحيط الاطلنطي وفوق ذلك تلاشت معاني الاستقلال والسيادة ليصبح المسلمون بلا ارادة ذاتية ولا تقرير مصير. وبلغت هذه الحالة من الضعف والفوضى بحيث انتفت عن المسلمين صفة الامة. فالامة معرفة في الكتاب العزيز بالوحدة:
وان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاتقون.
ولاتعني الامة الواحدة ان يكون المسلمون ذا لغة واحدة او ذا مذهب واحد او ذا لون واحد… انما يعني هذا ان يكون المسلمون ذا توحد سياسي وعسكري واقتصادي. واذا انتفت هذه الوحدة بهذا المعنى عنهم فانهم لم يعودوا امة بمنطوق ومفهوم الآية.
ان السيرة النبوية الشريفة خير شاهد على التئام الصف الاسلامي على هذا الاساس.
فما الذي حدث؟ لم كان المسلمون (امة) في قمة يومذاك واصبحوا اليوم عمة وغمة؟! ماهي العوامل التي فتكت بالمسلمين وجعلتهم في الحضيض بعد ان كانوا في الجوزاء؟ لن نقدر على الالمام بتفاصيل هذه السقطة المخيفة. ولكننا سنحاول جهدنا المرور ليعض ما اعترى هذه القافلة من الايمان.
اولا: انكماش المفهوم الاسلامي من الانطلاق الى الانغلاق لقد كان الاسلام في عصره الزاهر زخما بشريا اخرج للناس. فترى المسلمين ينداحون الى كل مناطق المعمورة - ذلك انهم لم يتلكؤوا لحظة في الدخول الى مجتمعات الناس والى نفسياتهم حاملين معاني الهدى يخاطبون بها الناس على قدر عقولهم فهم هؤلاء الاوائل من المسلمين أن الاسلام حالة التئام بباقي الناس ليخرجوهم من ظلمات العلم المادي الى نور العلم التنزيلي.
الفرق بينهم وبيننا انهم كانوا (رحمة للعالمين) بينما نحن نتشبث بكوننا الفرقة الناجية! لقد كان حال وعيهم يمتد من الآفاق الى انفسهم بينما حال وعينا محصور بين طول اللحية وقصر الثوب!
ثانيا: تميزت عقولهم وقلوبهم بحالة اليقين: ذلك الكتاب لاريب فيه لم يكن في مكونات ذواتهم ذرة من شك فيما يخص الوحي والتنزيل والرسول(ص). كانوا يتقبلون كل كلمة وكل آية وكل سورة بكل ما أوتوا من طاقة على الفهم والتدبر. وان كانوا قوما تنقصهم ما نسميه نحن وسائل المدنية والحداثة.
بينما نحن المسلمين اليوم تعتورنا شكوك وريب حول قضايا بعض منها معروف من الدين بالضرورة. وبلغت بنا حالتنا اننا فضلنا مبادىء وعقائد القاهر والمنتصر مثل اميركا وأورويه على ما عندنا من تنزيل يقين وسنة مطهرة - وعندما يحل الشك مكان اليقين فلايبقى في شعب عمود فقري يقوم حركاته وينشط خطاه.
ثالثا: سطوة التراث علينا. لقد ورثنا تفسيرا او تأويلا او تخريجا للكتاب الكريم والرسول الاكرم(ص) . وبدل ان نتفاعل مع الاصلين العظيمين كما كان شأن من سبقنا اصبحنا نتفاعل مع نتيجة تفاعل الاوائل ويعني ذلك ان فهمنا اضحى فهما للتراث اكثر منه فهما للكتاب والسنة.
رابعاً: قصور وتقصير العقل المسلم المعاصر عن فهم القوانين الاجتماعية في الكتاب العزيز. بعض هذه الآيات.
(ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الرعد 11
ذلك بما قدمت ايديكم وان الله ليس بظلام للعبيد كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فاخذهم الله بذنوبهم ان الله قوي شديد العقات ذلك بان الله لم يك مغيرا نعمة انعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وان الله سميع عليم. الانفال 51 - 53.
ولقد صدقكم الله وعده اذ تحسونهم باذنه حتى اذا فشلتم وتنازعتم في الامر وعصيتم من بعد ما اراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم. آل عمران 151-152.
(ان الله لايصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون) يونس 81-82.
الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله اضل اعمالهم . محمد 1.
انه من يتق ويصبر فان الله لايضيع اجر المحسنين - يوسف 90.
ليس بأمانيكم ولا اماني اهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولايجد له من دون الله وليا ولانصيرا - النساء123.
نحن ابناء الله واحباؤه .. قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل انتم بشر ممن خلق المائدة 18.
خامسا: انفصال العلم عن الحكم:
بعد الخلافة التي دامت جيلا او جيلين من الرعيل الاول تولى الحكم على المسلمين من قلت فيهم مزايا ومؤهلات القيادة. تحولت دولة الشورى الى دولة الاستبداد منذ الملكية الاولى تلك بدأ يتجمد الفقه السياسي والدستوري للدولة وصحب ذلك تجمد فقه العلاقات الاقتصادية والمالية. وبطبيعة الحال انشل العقل المسلم عن مواكبة طبيعة العلاقات الدولية كذلك. عند هذا المنعطف التاريخي اتخذ كثير من العلماء موقف تجنب مواجهة الحكام والاصطدام بالنظام القائم.
هذا قليل من كثير مما اوصلنا الى ما نحن فيه اليوم: دويلات لاتتفق على شيء شعوب مستضعفة وهوة لاقرار لها! ونتساءل : هل الى خروج من سبيل؟
يتبادر لي ان نقطة البداية هي اعادة الثقافة القرآنية الى حياة المسلمين. والثقافة القرآنية حالة اجتماعية لايمكن حصرها في بعض العلماء او قليل من الجامعات او ثلة من الاحزاب. لابد لهذه الثقافة القرآنية ان تؤصل وتعمم وتصبح القوة النافذة عندما تبلغ الثقافة القرآنية اوجها تصبح - طبيعيا - سلطانا وولاية وحكما. هذا باختصار ما حدث في مكة والمدينة وهذا مالا مفر من حدوثه مجددا. العقلية القرآنية الجماعية لاتسمح بتوغل ايديولوجيات غريبة وعقائد هدامة ونظريات مادية وفلسفات غربية. العقل القرآني الجماعي قوة ومنعة معا. والعقلية والثقافة هذه تتسع لما هو ظني الدلالة من الكتاب ومن الحديث. لان المرجع هو قطعي الثبوت وقطعي الدلالة. في هذه البيئة القرآنية يتنافس العلماء ويتناظر الفقهاء من غير حسد وبدون تعال لان الفكر القرآني انسجامي وتوافقي بطبيعته.
لقد حان وقت استملاك العقل المسلم للمعاني القرآنية ما استطاع الى ذلك سبيلا.
وبموازاة هذه الثقافة القرآنية تأتي المثابة المكية. لم يهجر المسلمون القرآن وحده وانما تخلوا ايضا عن مسؤولياتهم فيما يخص البيت الحرام والكعبة المشرفة والقبلة المرضية. الثقافة القرآنية معنوية والمركزية المكية مادية. بمعنى ان مكة: مكان وموقع وجغرافية. وهي التي قال الباري فيها: وهذا البلد الامين.
وجعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس.
وجعلنا البيت مثابة للناس وامنا..
ولكن مكة حاليا انتفت عنها هذه المعاني بسبب ما جنته ايدينا نحن المسلمين. فلاهي آمنة ولا البيت الحرام قيام للناس ولاهو المثابة والامن…
واذا بقيت مكة خالية من تداخل مشاعر المسلمين وتلاقح افكارهم وتنسيق استراتيجيتهم فانها بمثابة المهجورة.
العقل القرآني والمعقل المكي هما ركنا التلاحم الاسلامي والواحد منهما يدعم ويكمل الآخر. لانستطيع ان نعيد مكة الى مركزيتها من غير الثقافة القرآنية ولن نستطيع ان ننشط العقلية القرآنية من غير المثابة المكية.
هذه هي خطوات على الطريق.
ولنكن اكثر تفصيلا في ما نعنيه بالثقافة القرآنية والمثابة المكية.
الثقافة القرآنية
ونعني بها خروج الذهنية الانسانية من ضيق الطائفية والمذهبية اللتين تحتلان مساحة واسعة من الفكر الاسلامي الى الابعاد والاعماق القرآنية التي تحمل الانسان المسؤولية الممتدة من الآفاق الى الانفس. وتبدأ هذه التكوينية النفسية والعقلية الاسلامية بالتمحور حول كل الواجبات المعلقة بالذين آمنوا. (يا ايها الذين آمنوا ما لكم اذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم الى الارض؟) (يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الدين من قبلكم لعلكم تتقون) (يا ايها الذين آمنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم)؟ تؤمنون بار ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وانفسكم…).
يا ايها الذين آمنوا لاتدخلوا بيوت النبي الا ان يؤذن لكم الى طعام غير ناظرين اناه ولكن اذا دعيتم فادخلوا فاذا طعمتم فانتشروا ولامستأنسين لحديث (ان حالة السواد الاعظم من الناس اليوم عندما تتواجه مع هذا الكتاب المبين هي حالة قصور في ادراك الفكر القرآني). وقد لانجانب الصواب اذا قلنا ان سطوة الحكم كان لها اساس في افساد هذا الفكر.
يجب علينا ان نعترف فورا قبل ان تدهمنا مصائب اخرى من نوازغ الشيطان وقهر السلطان يجب علينا من غير تلكؤ ان نعترف بأن المنهج القرآني في مجتمعاتنا مفقود. لذلك نجد بعض الاكاديميين الذين تأثروا بالفكر والفلسفة الغربية يحاولون جهدهم صب معاني القرآن في قوالبهم الفكرية بدل ان تتشكل تلك القوالب الفكرية ذاتها من الدفع والزخم القرآني. انه لامانع ان ينشط الفكر بتناوله للافرازات الذهنية الغربية من حيث ان يكون الفكر القرآني مهيمنا على ما يسمى النظريات والافتراضات الاجتماعية او الانسانية الغربية. فيأخذ منها الصواب ويهمل الخطأ. ولكننا للأسف - حتى بين بعض علماء المسلمين - نجد من بهرته الثقافة اليهودية - المسيحية التي آلت الى شكلها المادي اليوم. فاذا بهؤلاء العلماء يبدون امتعاضا من الثقافة القرآنية وهم في حقيقة الامر يمتعضون من جهعلهم بهذه الثقافة القرآنية. فيأخذ بعضهم في تعلم اللغة الانكليزية او الفرنسية او غيرها من لغات العلم الفيزيائي او المادي وهو يظن انه الآن بدأ يرتقي في سلم العلم والمعرفة والفكر!! وقد لايتوقف عند هذا الحد بل يعود على ذاته وعلى مجتمعه بالنيل من القرآن ولغته!! مدعيا انه لم يجد في محكم الكتاب ما يشبع فكره ويزيده علما.
هذا هو طرف بسيط من الحالة الاجتماعية التي تتشكل عندما يتخذ المسلمون هذا القرآن مهجورا.
لقد آن الاوان - خصوصا الآن حيث تحطمت نظريات الانسان الغربي حول الحياة والحضارة بشقيها الرأسمالي والشيوعي - لقد آن الاوان ليعود المسلمون الى ذاتهم القرآنية وحقيقتهم الايمانية وبصيرتهم العلمية والى انجازاتهم العملية.
هذا القرآن هو بحر زخار بما فيه من علم وعلوم ومعلومات حول خصائص الانسان فردا ومجتمعا، مؤمنا وكافرا، بداوة وحضارة الخ… الثقافة القرآنية تستعلي بمسؤولية وعناية على الثقافات الاخرى والثقافة القرآنية حرب على الظلم . ويعجب المرء في عالم استحكم فيه الظلم كيف لاتنتشر فيه الثقافة المضادة لهذا الظلم بكل تشكلاته لقد قامت ثقافات وانهارت بسبب موقفها من الظلم.