حديث التقريب ..
في استقبال الخامس عشر من شعبان
الخامس عشر من شعبان يحتفل فيه أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) باعتباره يوم إحياء ذكر المهدي المنتظر عليه السلام.
وبرؤية التقريب بين المذاهب الإسلامية نقف عند هذه المناسبة لنبين أن مسألة المهدي المنتظر هي أولاً مسألة اسلامية لا مذهبية خاصة بطائفة معينة، وهي مسألة إنسانية قائمة في الفكر البشري، حتى في المدارس الأرضية.
على الصعيد الإسلامي تؤمن المذاهب الإسلامية جميعًا بأن المهدي المنتظر:
- سيخرج في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلاً وقسطا بعدما مُلئت ظُلمًا وجورًا.
- وأنه من أولاد فاطمة، وهو الخليفة الثاني عشر من خلفاء رسول الله(ص).
الأحاديث النبوية في هذا الموضوع كثيرة تصل إلى حدّ التواتر. ومن أراد أن يتوسع فيها يمكنه أن يرجع إلى كتب الصحاح والمسانيد لأهل السنة والكتب الحديثية الأربعة عند الشيعة وإلى أقوال العلماء في هذا المجال.
هذه المسألة الإسلامية العامة مثل كثير من المسائل المشتركة بين جميع المسلمين جعلت الظروف التاريخية منها مسألة خاصة بمذهب معين؛ وهي خسارة كبيرة لوحدتنا الإسلامية والتقريب بين مذاهب الأمة وعلى الساعين على طريق الوحدة والتقريب أن يبدّدوا ما ران على هذا النوع من القضايا من صفة طائفية.
هذه المسألة خاصةً تستطيع أن تنهض بدور مهم في حياتنا الإسلامية لأنها تؤكد مسألة قرآنية هامة بأن مستقبل البشرية للصالحين، خلافا لما يشاع بأن أصحاب المخلب والناب وأرباب البطش والقوة المادية هم الذين سيتغلبون على البشرية؛ إنها تؤكد قوله سبحانه وتعالى: ﴿أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾، وهذا يبعث الأمل في نفوس المؤمنين بشأن المستقبل، ويبدد الظلام الذي تحاول قوى البطش والهيمنة أن تملأ به الأجواء لخلق الهزيمة واليأس والخوف تجاه القوى المادية المهيمنة، فالإرادة الإلهية اقتضت أن يمنّ الله على المستضعفين ليكونوا أئمة على الساحة البشرية: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾.
إحياء مسألة المهدي إنما هو إحياء للآمال وتأكيد على أن المسيرة البشرية مسيرةٌ صاعدة نحو التكامل وسيادة القسط والعدل؛ ثم إنها من منظار التقريب بين المذاهب الإسلامية تستطيع أن تجمع المسلمين في إطار نظرة مستقبلية متفائلة تجاه ما يجري من أحداث على الصعيد العالمي.
يجدر أيضًا أن نقف عند عبارة «آخر الزمان» فالنصوص الإسلامية لدى السنة والشيعة قد تضمّنت هذه العبارة. وهنا نقف عندها لنقول إن المدارس الأرضية أيضًا لها مثل هذه النظرة في «آخر الزمان» وإن عبّرت عنها بأساليب أخرى.
المدرسة الماركسية مثلًا راحت تطرح نظريتها بشأن مسيرة البشرية بأنها تقطع مرااحل متعددة حتى تصل إلى ذروة تكاملها في إقامة المجتمع الشيوعي الذي تزول فيه الطبقية، ويزول معها الصراع ويتحول المجتمع إلى مجتمع خال من الدماء والدموع ويسود في ربوعه السلام والوئام.
و وراء هذه الحركة الصاعدة هو تطور وسائل الانتاج، وهذه الوسائل بتطورها تجعل المجتمع يجتاز مرحلة بعد مرحلة حتى يصل إلى المرحلة الاشتراكية ثم الشيوعية حيث تزول فيه الملكية الفردية ويصبح كل ما في المجتمع مشاعًا للجميع وبذلك تزول التناقضات. هذا ما تحلم به الماركسية من آخر مراحل تطور البشرية أو بتعبير آخر من آخر الزمان.
والمدرسة الغربية لها نظريتها أيضًا في تطور البشرية، إذ تقول كما جاء على لسان فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» إن البشرية في حالة تطور وستكون نهاية هذه المسيرة سيادة «الديمقراطية الليبرالية» على العالم، وبذلك تتحقق أماني البشرية في الحياة الإنسانية المنشودة.
ويرى فوكوياما أن وراء حركة هذه المسيرة ليس وسائل الانتاج كما نرى الماركسية بل وراءها «التيموس».. والتيموس حسب التعريف الوارد في الكتاب هوا «العزّة» فالبشرية تكافح من أجل تحقيق عزّتها ويتحقق ذلك حين يسود النظام الأمريكي على البشرية جمعاء.
إذن المدارس الشرقية والغربية تؤمن أولاً بأن مسيرة البشرية حركة صاعدة نحو تحقق آمال الإنسان في الحياة المثلى.
وعبارة « في آخر الزمان» الواردة في أحاديث المهدي، إنما هو تعبير عن المرحلة الأخيرة من تطور مسيرة البشرية، ولا تعنى كما يفهم بعضهم أنها نهاية «الدنيا»؛ إنها نهاية الآلام التي تعاني منها الإنسانية بسبب الظلم والجور، وبداية مرحلة حياتية يسود فيها القسط والعدل. وهذه هي غاية آمال البشرية في حياة سعيدة تتحقق فيها آمال الرسالات السماوية.
نخلص إلى القول إلى أن قضية المهدي المنتظر هي أولاً قضية إسلامية عامة وليست مذهبية، ثم إنها قضية إنسانية تعبّر عمّا تتوق إليه البشرية من حياة كريمة تتناسب مع كرامة الإنسان.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية