حديث التقريب .. أسس الفكر التقريبي عند السيد الشهيد الحكيم
حديث التقريب .. أسس الفكر التقريبي عند السيد الشهيد الحكيم
بمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاده في 29 أغسطس ـ آب 2003 م
يقوم الفكر التقريبي عند السيد الشهيد محمد باقر الحكيم على الأسس التالية:
الف – المعالجة العلمية للخلاف المذهبي.
ب – المعالجة الاخلاقية للخلاف.
ج – المعالجة النفسية لمسألة الخلاف.
د – عقد الأمل على مستقبل التقريب.
هـ – ارتباط التشيع بالتقريب.
و – تنفيذ المشاريع العملية في التقريب.
ز – التفريق بين الدائرة الشعبية والدائرة السياسية في قضية الخلاف المذهبي.
الف – المعالجة العلمية
الحالة الطائفية ذات جذور نفسية – كما سيأتي - ترتبط بحالة التخلف وما يرافقها من حالة عشائرية في عالمنا الاسلامي. وقد تتخذ الطائفية طابع مجادلات علمية، لكنها لا تنتمي في الواقع الاّ الى روح عشائرية، والدليل على ذلك أنها تتجه الى تكريس الخلاف لا إلى تقصّي حقائقه العلمية، ولا أدلّ على ذلك أن الطائفيين لا يحملون أبداً هماً رسالياً إسلامياً، بل يعيشون فقط في دائرة همومهم المذهبية.
والمعالجة العلمية للطائفية هي نقل الخلاف الى دائرة علمية موضوعية لمعالجة حقائقه وفق منطق مقبول لدى علماء الفريقين، يؤدّي في النتيجة الى اتفاق بين الجانبين أو الى اختلاف اجتهادي طبيعي بعيد عن التعصّب والنزاع.
وهذه العملية العلميّة - في رأي السيد الحكيم – تنتهج السبل التالية:
١ـ "الاهتمام بالبحث عن الحقائق لكل مذهب من المذاهب الاسلامية. فكل مذهب له متبنيات خاصة، سواء في الجانب العقائدي أو الفقهي أو في حقل تفسير التاريخ وفهم التاريخ" (مقابلة / ٣٨)
وهذه الدعوة تعود الى أن "حقائق كل مذهب قد اختلطت – مع الاسف – باتهامات ونسب باطلة" (مقابلة / ٣٨).
من هنا فان "التقريب بين المذاهب يفرض أولاً الأخذ بمتبنيات كل مذهب من لسان أصحابه. وهذا أساس هام من أسس التقريب لفرز الصحيح عن المفتعل والمفترى عليه في كل مذهب". (مقابلة / ٣٨).
٢ـ في كل مذهب آراء فقهية وعقائدية شاذة، لايجوز أن يحمل المذهب أوزارها، بل المنهج العلمي يقتضي "التمييز بين الرأي السائد والرأي الشاذ داخل كل مذهب. فآراء رجال المذاهب بعضها يمثل الرأي السائد، وبعضها شاذ يختلف عن متبنيات المذهب السائدة. والباحث الذي يسند رأياً الى مذهب معين لابدّ أن يأخذ بنظر الاعتبار الرأي السائد ولا يتشبث بالآراء الشاذة. نعم، يمكن ان ينقل هذه الآراء الشاذة وينسبها الى أفرادها، لا إلى المذهب بشكل عام". (مقابلة / ٣٨).
٣ - المرجعية العلمية التي تحكم مسائل الخلاف بين السنة والشيعة تشكل السند القويم لحلٍ هذا الخلاف. والسيد الحكيم يعتقد أن المسلمين متفقون نظرياً على هذه المرجعية لكنهم لا يلتزمون بها عملياً في التحكيم بمسائل الخلاف. وهذه المرجعية تتمثل في: القرآن والسنة. يقول:
"المسلمون يتفقون جميعاً على هذا الكتاب الموجود الآن بين المسلمين، ويعتبرونه وحياً نازلاً على الرسول الكريم بنصّه دون زيادة أو نقيصة.
ولا قيمة طبعاً لما يُنسب الى الشيعة من القول بتحريف القرآن. فهي نسبة باطلة وغير صحيحة، وآراء علماء الشيعة منذ الصدر الأول وحتى عصرنا الراهن هي الاعتقاد بسلامة النص القرآني من أي تحريف. وهذا هو الرأي السائد.
إذن هناك اتفاق على الرجوع الى القرآن الكريم، وهكذا بالنسبة للسنة النبويّة. كل المسلمين بكل مذاهبهم يعتقدون بأن ماجاء عن الرسول الكريم حجة لايمكن لأي شخص أن يجتهد أمامه. مذهب أهل البيت يركز على هذه المرجعية، مرجعية القرآن والسنّة. وقد بيّنا أهمية هذه المرجعية في بحثنا عن: التفسير عند أهل البيت" (مقابلة / ٣٩).
ولا يفوت السيد الحكيم وهو يتحدث عن مرجعية القرآن والسنة أن يبين أسلوب الرجوع الى القرآن والسنّة، حتى لاتكون هذه المرجعية عامل خلاف كما حدث في التاريخ. فيؤكد على ضرورة التتلمذ على القرآن والسنّة. أي أن يأتي المسلم إليها تلميذاً لا معلّماً، مستفتياً لا مفتياً، خالياً من المواقف المسبقة، لا أن يحاول تبرير مواقفه المسبقة بآية أو حديث. يقول:
"عندما يختلف المسلمون في رأي من الآراء، فليرجعوا الى المتفق عليه بينهم وهو القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، دون اتخاذ موقف تفسيري مسبق تجاه القرآن والسنّة يناصر رأي هذا المذهب أو ذاك" (مقابلة / ٣٩).
ثم يذكر السيد الحكيم ملاحظة بصورة عابرة على غاية من الأهميّة هي أن رسول الله (ص) وضع للناس المرجعيّة ووضع الضمان لعدم الاختلاف في العودة الى هذه المرجعيّة وهو "اهل البيت". من هنا فإن السيد الحكيم يفهم "الثقلين" بأنهم السبيل الصحيح لفهم القرآن والسنّة، وأن ماحدث من خلاف بين المسلمين في فهم هذه المرجعيّة الرسالية إنّما هو بسبب عدم التزامهم بهذا الضمان الذي ركّز عليه النبي الاعظم في مناسبات متعددة ومنها حجة الوداع التي أوصى فيها بأهم أسس استمرار المسيرة الاسلامية على نهجها الصحيح.
يقول: "ولقد اهتمّ رسول الله (ص) بهذا الأمر (أي بأمر الأسلوب الصحيح في العودة الى مرجعية القرآن والسنّة) حين وقف ينصح المسلمين في حجة الوداع بعدّة أمور كان من جملتها نصيحتهم بالعودة الى الثقلين".
وهذا الفهم لدور الثقلين في توحيد المسلمين وإبعادهم عن الاختلاف نجده عند كبار العلماء من السنة والشيعة، وأشير على سبيل المثال الى "محمد بن عبد الكريم الشهرستاني" في كتاب "مفاتيح الأسرار ومصابيح الأبرار" فهو يرى أن كل ما أصاب المسلمين من تفرّق في الفروع والأصول إنّما يعود الى ابتعادهم عن الرجوع الى الثقلين.
ب – المعالجة الأخلاقية للخلاف
وأقصد بالمعالجة الأخلاقية الالتزام بأدب الاختلاف وأدب الحوار بين المختلفين، وكتب المهتمون بتوحيد المسلمين في هذا المجال. وبينوا موقف النبي (ص) والصحابة والتابعين وأئمة أهل البيت من الرأي الآخر.
يقول السيد الحكيم في هذا المجال:
"لابد أن تسود الحالة العلمية في المواقف والحوار بين العلماء، نعم، الاختلاف طبيعي، والدفاع عن الرأي والاستدلال على صحته حقّ لكل عالم، وردّ الرأي الآخر باستدلال علميّ حق أيضا. ولكن تارة يكون الردّ بروح الاتهام والتحامل، وتارة يكون بروح احترام رأي الطرف الآخر وأفكاره" (مقابلة / ٣٩).
ويرى السيد الحكيم أن العالم الحقّ هو الذي يستهدف كشف الحقيقة، ويهمّه الوصول الى النتيجة، أياً كانت النتيجة، حتى ولو كانت مخالفة لفرضياته. وهذا هو السائد في حقل العلوم التجريبية والفكرية والثقافية. من هنا يدعو السيد الحكيم الى أن ينتهج علماء المذاهب نفس المنهج المعرفي في دراسات العلوم الأخرى يقول:
"يجب أن يكون تبادل الأفكار والآراء والمناقشات بين علماء المذاهب تماماً كما هو الحال بين علماء العلوم التجريبية والفكرية والثقافية، حيث يكون ردّ العالم على الآخر غالباً بروح الاحترام للرأي الآخر، باعتبار أنه يردّ على جهة علمية بذلت جهوداً حتى توصلت الى هذا الرأي.
بنفس هذا النَفَس من الاحترام المتبادل يجب أن يسير الحوار بين علماء المذاهب، إذا شاؤوا التقريب بينهم" (مقابلة / ٣٩).
ج – المعالجة النفسية في دائرة التقريب
لا نبالغ إذا قلنا إن أسباب الخلاف بين المسلمين يعود في معظمة الى عامل نفسي. فالحالة النفسية في عالمنا الاسلامي هي على العموم بائسة. الانسان المسلم غالباً يشعر بالضعف والدونيّة أمام جبروت الغرب، كما أنه يفتقد الأمل غالباً في مستقبل أفضل، ولا يشعر بعزّة في هويته وشخصيته وانتمائه الديني والوطني والقومي. وهذه الحالة لها إفرازاتها في الحياة العملية. وأهم هذه الافرازات فيما يرتبط بالتقريب هو أن يبحث كل فرد وكل جماعة عن سبيل لإثبات شخصيته بسبل موهومة، وهذا التمترس وراء الدفاع عن هذه الطائفة او الهجوم على هذه الطائفة بالأساليب العنيفة المعروفة إنّما هو إفراز للحالة النفسية السائدة.
الحالة الطائفية إذن وليدة حالة ركود ثقافي وحضاري لايمكن إزالتها إلاّ باستئناف حركتنا الحضارية. ولكن بقدر ما يتعلق بالتقريب لابدّ من معالجتها للتخفيف من حدّتها والتقليل من تبعاتها. ويقترح السيد الحكيم في هذا المجال مايلي:
١ـ طرح الهموم الكبيرة، وهذه العملية من شأنها أن ترفع التطلعات والأهداف الى مستوى رفيع بحيث تصغر الخلافات الجانبية. لأن الصغائر تكبر عادة في جوّ الهموم الصغيرة والأهداف الصغيرة. ولهذا نرى الطائفية تتضخم عادة في البيئات التي تعيش هموم متاع الحياة الدنيا، وتتضاءل تلقائياً عند الرساليين. ولقد رأينا أثر الصحوة الاسلامية في التقريب المذهبي كما رأينا آثار كتابي "اقتصادنا" و"فلسفتنا" في التقريب المذهبي رغم أنهما لم يعالجا خلافات مذهبية، بل طرحا أهدافاً رسالية كبرى تتعلق بالكون والحياة من وجهة نظر الإسلام، كما رأينا أثر انتصار الثورة الاسلامية في التقريب المذهبي خاصة خلال السنوات الاولى، لأنها طرحت المشروع الإسلامي للحياة على الساحة العملية.
يقول السيد الحكيم في هذا الصدد:
"لابدّ – من أجل التقريب بين المسلمين – من وضع القضايا الهامّة في رأس قائمة الاهتمامات والمناقشات. وسيكون ذلك عاملاً على التقريب بل على الوحدة. لأن القضايا مهما كبرت فإن الاتفاق بشأنها يكبر أيضا. وكلما دخلنا في التفاصيل والجزئيات أكثر اتجهنا الى الهامش أكثر" (مقابلة / ٤١).
٢ـ التأكيد على المشتركات، فالحالة النفسية البائسة تنبش في الاختلافات من أجل أن تخلق حالة تبريرية للتناطح والاصطدام. والتأكيد على المشتركات يخفّف من تضخّم الخلافات في النفوس. ومن هنا فإن التقريبيين مدعوون لأن يشدّوا الأنظار الى المشتركات في العقيدة وفي الفقه وفي الآمال والتحديات. يقول السيد الحكيم في هذا الصدد: "صحيح أن هناك اختلافاً بين المذاهب الاسلامية في مختلف المجالات، ولكن الاشتراك بينها هو أكثر وأهم مما به الاختلاف. المهم التوجّه والاهتمام… تارة يكون نحو المشتركات، وتارة يكون نحو إبراز الخلافات وإثارة النزاعات. نقاط الاتفاق بين مذاهب المسلمين مهمة جداً، تعبّر عن وحدة الأمة الإسلامية وعن هويتها وشخصيتها، فهم يحجون جميعاً حجاً واحداً، ويقفون على صعيد مشاعر واحدة، وهذه نعمة كبيرة من نعم الله على الأمة الإسلامية. وهكذا الصلوات الخمسة قد اتفق عليها المسلمون، وصوم شهر رمضان، وغيرها مما لا يحصى من المسائل الرئيسية المتفق عليها بين المسلمين. ولابد من إبراز مواضع الاتفاق هذه باعتبارها أساساً من أسس التقريب". (مقابلة / ٤٠).
وبشأن التأكيد على التحديات المشتركة يقول:
"فالاختلاف هنا يعني ضعف الامة وتمزقها وهيمنة أعدائها عليها. لذلك أعتقد أن من أهم أسس التقريب توحيد موقف المسلمين تجاه القضايا الرئيسية والمركزية. والتوحيد في موقف المسلمين مطلوب في المجالات السياسية وفي المواقف الاجتماعية، كما حدث بالفعل ضمن إطار المؤتمرات التي عقدت أخيراً لمعالجة المشاكل الاجتماعية مثل مؤتمر القاهرة ومؤتمر بكين ومؤتمر فينا، وكل هذه المؤتمرات عالجت مسائل حساسة هامة مثل مسائل الأسرة والمرأة. والمسلمون مطالبون باتخاذ موقف موحّد تجاه هذه القضايا. وهو عامل على تقريب المسلمين بكافة مذاهبهم وعلى وحدة الامة" (مقابلة / ٤١).
د – عقد الأمل على مستقبل التقريب
والامل عنصر مهم من عناصر استمرار المسيرة. وحين يرى الانسان وضع العالم الاسلامي ومافيه من أحداث طائفية تتكرر باستمرار على شكل مناوشات كلامية وتراشق بالتهم والتكفير، بل ويبلغ الأمر أن تسفك الدماء وتزهق الأرواح في المساجد والمجالس الدينية بدوافع طائفية… حين يرى هذه الأحداث ويرى معاول الهدم تفعل فعلها باستمرار وبجدّ واجتهاد لتركيز الحالة الطائفية، يكاد يساوره اليأس من إمكان نجاح دعوة التقريب ومواصلة مسيرتها. لكن دعاة التقريب ينظرون الى الزوايا المضيئة التي تبعث الأمل في نفوس التقريبيين، وأعتقد أن السيد الحكيم فكر في هذا الأمر طويلاً، إذ ما إن سألناه عن إمكان نجاح جهود التقريب في العالم الإسلامي الذي تكاثرت فيه معاول التخريب الداخلية والخارجية، راح يعدّد الجوانب المضيئة من الطريق، ويتفاءل بمستقبل واعد للتقريب ومن النقاط التي أشار إليها:
١ – "السنّة التاريخية التي تحكم حركة التاريخ والمجتمع الانساني، هذه السنّة تقول: إن الحق يعلو لا محالة، وأن الباطل زاهق لا محالة. وقضية تقريب المذاهب ووحدة المسلمين هي قضية حقة، ولابد أن تنتصر في حركة السنن التاريخية والكونية التي تحكم حركة الانسان وحركة المجتمع الانساني. إنها مسألة غيبية نؤمن بها، وركز عليها القرآن في مواضع كثيرة منها قوله سبحانه: (قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً)، ومنها قوله سبحانه: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض). (مقابلة / ٤2).
٢ – "القضية الأخرى التي يجب أخذها بنظر الاعتبار هي وجود هذا الكيان المبارك القائم على الساحة الدولية اليوم المتمثل بالجمهورية الاسلامية، فقضية التقريب وقضية الوحدة الاسلامية أصبح لها أم وأب يرعيانها، ويهتمان بها ويتبنيانها. والدولة الاسلامية المباركة لها وجود كبير على الساحة الدولية، وتتبنّى أسساً راسخة قوية في العقيدة التوحيدية، وتنطوي على معنويات عالية مدعومة بتضحيات غالية ودماء زكية. وهذه الدولة اليوم تشكل رصيداً هاماً لوحدة المسلمين، لانها تطالب بعزم وإصرار على استعادة عزة المسلمين وكرامتهم، وماضاع حق وراءه مطالب. وهي مسألة هامة جداً يجب أن نأخذها بنظر الاعتبار في تقويم مستقبل حركة التقريب" (مقابلة / ٤٣).
٣ – "الامر الثالث الذي يمكن أن يذكر في هذا الصدد هو أن الوعي الاسلامي العام الموجود لدى الامة الإسلامية حقيقة لايمكن أن ينكرها أحد، هناك صحوة إسلامية، هناك وعي عام قائم لدى الأمة الإسلامية. هناك اهتمام لدى الأمة في العودة الى الله، والعودة الى الهوية والشخصية الإسلامية، والالتزام بما أمر الله سبحانه به. وهذا الوعي يوحّد بين فصائل المسلمين ويوجّه عواطفهم واهتمامهم نحو هدف واحد" (مقابلة / ٤٣).
٤ ـ "الامر الرابع في هذا الموضوع هو التطور العلمي والتقني الذي يمكن أن يساهم مساهمة كبيرة جداً في تحقيق هذا التقريب. حيث أنني قلت: إن أحد أسس التقريب هو التفتيش عن حقائق كل مذهب. ووجود هذا التطور الكبير في وسائل الارتباطات ونقل المعلومات يوفّر فرصة كبيرة للكشف عن هذه الحقائق ومعرفتها" (مقابلة / ٤٣).
٥ ـ "والامر الخامس، هو التطور في الجانب الانساني على الساحة العالمية. رغم أن السلوك العام شهد عالمياً تدهوراً وتدنياً في الجانب الاخلاقي، إذ ازداد الظلم والعدوان والتجاوز وبلغ حداً كبيراً، وشكلاً مفزعاً استخدمت فيه الأسلحة الكيمياوية والنووية الفتاكة. رغم ذلك فهذا التدهور مقرون بتطور ونمو وتكامل في الرؤية للقضية الأخلاقية، بما يعبّر عنه بحقوق الإنسان والإحساس بضرورة الدفاع عن هذا الحق، وهذه الظاهرة سنة طبيعية تحتاج الى حديث عن حركة التاريخ والمجتمع. فهناك دائماً حالة توازن بين التدهور الأخلاقي والوعي الأخلاقي، تؤدي الى انفجار تغييري نسميه الثورة والتغيير الجذري، ونحن اليوم نشاهد أيضا تدهوراً في الحالة السلوكية العالمية، والى جانبها تطوراً في الناحية النظرية، وفي الوعي على الحالة الأخلاقية، فيما يرتبط بحقوق الإنسان، والرأي المتبادل، وقضايا الحرية وقضايا التفاهم والتعارف، وغيرها من الأمور التي يمكن أن تكون عاملاً مساعداً في خدمة التقريب وقضية وحدة الإنسانية. ولذلك نشاهد الآن كثيراً من المشاريع الوحدوية المطروحة في العالم على المستوى الاقليمي والعالمي، نتيجة وجود الوعي في هذا الاتجاه" (مقابلة / ٤٤).
٦ ـ "والنقطة السادسة والمهمة في تصوري هي حاجة الأمة الإسلامية اليوم الى التقريب والوحدة. فالأمة تعيش صراعاً مصيرياً، والتقريب والوحدة من العناصر الهامة في كسب المعركة في هذا الصراع المصيري. والحاجة – كما يقولون – أم الاختراع. عند الاحساس بالحاجة الحقيقية للوحدة والتقريب ستتحرك الامة لسدّ حاجتها. ولذلك فان الفرص كبيرة لنجاح مشروع التقريب ونجاح أطروحة التقريب بين المذاهب ووحدة الامة. من هنا نجد أن الاصوات الداعية للتقريب هي الأقوى، والأصوات الداعية الى الاختلاف والتمسك بالفرعيات والتشبث بالجزئيات أصبحت هي الأصوات الخافتة، وأضحت هذه الأصوات السلبية تتحدث بطريقة ملتوية بعيدة عن الواقع، تحاول أن تخفي حقيقة مواقفها… تحاول أن تتخذ موقف النفاق… وحالة النفاق تعبر عن بداية الانتصار. عندما يبدأ الحق بالانتصار والباطل بالانهزام، يعلن الباطل عن نفسه أولا بشكل واضح ويدخل في الصراع، وعندما يمنى بالهزيمة يحاول أن يدخل في حالة النفاق. وهذه الحالة مشهودة في بداية الدعوة الاسلامية، وفي تاريخنا المعاصر إبان الثورة الاسلامية، حيث كان العلمانيون والملاحدة والمنحرفون والمرتدون يواجهون الثورة علنياً في البداية. وعندما هُزموا أخذوا يواجهونها بطريقة نفاقية. على أي حال، الاحساس بالحاجة الماسة بين المسلمين للتقريب هي بذاتها عامل على فتح الطريق لتحقيق هذا الهدف" (مقابلة / ٤٥).
رضوان الله على شهيدنا الكبير السيد الحكيم، ووفقنا لاستلهام أفكاره على طريق التقريب بين المذاهب الاسلامية.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الشؤون الدولية