في حفل اقامته جامعة الامام الصادق (ع) امس الأحد بطهران، وذلك بمناسبة تخريج طلبة الدورة التدريبية "الخاصة" لتعليم اللغة العربية، قدم الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية اية الله الشيخ الاراكي، محاضرة تحت عنوان "الفاعلية المتميزة للغة العربية في بناء الحضارة الانسانية".
 
وحضر المراسيم شخصيات علمية واسلامية رفيعة المستوى في الجمهورية الاسلامية الايرانية وعلى رأسهم سماحة اية الله الشيخ مهدوي كني رئيس مجلس خبراء القيادة في ايران ورئيس جامعة الامام الصادق (ع)، وعدد من المسؤولين في المجمع العالمي للتقريب وغيرهم من اساتذة الجامعات والطلبة وخريجو جامعة الامام الصادق (ع). 

واكد سماحة اية الله الاراكي في محاضرته التي خصها بشكل تفصيلي ودقيق بعلم اللغة العربية، ان لهذه اللغة ميزات كثيرة، وهي التي لها الدور الاكبر في جعل اللغة العربية ذات فاعلية متميزة في بناء الحضارة الانسانية. 

وفي السياق ذاته اشار سماحته الى الميزات العلمية الخاصة في اللغة العربية والتي اختصرها في ستة مجالات، منها: 

١- "سعة هذه اللغة على مستوى المفردات والتعبير عن المعاني"؛ مما جعل كثيرا من علماء اللغة يرون انه لا وجود للترادف في اللغة العربية، وان كل لفظتين متشابهتين في المعنى لابد ان يكون لكل واحدة منها ميزة لوحظت في وضع تلك اللفظة المعينة؛ على سبيل المثال مفردتا "جلس" او "قعد" فرغم التشابه في المعنى ولكن ليس هناك تساوي بينهما؛ حيث يقال "قعد"

لمن كان قائما فجلس و"جلس" لمن كان نائما فقعد. كما ان هناك فرق بين "راح" و"مضى" وليس هناك تساوي بين معنى هاتين المفردين. 

واضاف سماحته قائلا "نجد ان اللغة العربية استطاعت ان تضع لكل حالة معنوية لفظة خاصة تدل على تلك الحالة رغم دقتها ورغم ندرتها وحتى المعاني النادرة والدقيقة فقط وضعت لها في اللغة العربية مفردة تدل على ذلك المعنى بكل دقة". 

واكد الشيخ الاراكي في هذا الجانب ان هذه الميزة خاصة باللغة العربية فقط؛ ومن فحص اللغات سوف يجد انه لاتوجد لغة كاللغة العربية، في سعة مفرداتها وقدرتها على التعبير عن المعاني الدقيقة.

٢- وحول الميزة الثانية، التي انفردت بها اللغة العربية عن غيرها من اللغات، اشار سماحته الى "قنونة" هذه اللغة "في بنية الفاظها ومفرداتها"؛ وقال "هنا يأتي دور علم التصريف والذي هو علم يهتم في بناء المفردة في اللغة العربية ويتبع بدوره قواعد مقننة منظبطة على اساسها تم وضع المفردات التصريفية او القابلة للتصريف في العربية". 

٣- كما اشار الى القنونة الموجودة في تركيبة الجمل العربية "الجملية" بالاضافة الى تركيبتها اللفظية، قائلا "ان الجمل في اللغة العربية مقننة وفي كل تركيبة قانونها الخاص وعلى سبيل المثال هناك جملة اسمية تختلف بتركيبتها عن الجملة الفعلية وكل جملة ان كانت فعلية او اسمية لها انواع في اللغة العربية". 

٤- الاداء، وهي ميزة اخرى اشار اليها الامين العام للمجع العالمي للتقريب في محاضرته حول "العربية"، واوضح ان "هذا الجانب يهتم به قراء القران الكريم، فهم يستخدمون علم التجويد لحسن اداء الكلمة والجملة وهو علم خاص الى جانب العلوم الاخرى التي تحتوي عليها هذه اللغة العظيمة". 

٥- كما اشار الى ميزة "التعبير" او "البيان"، مؤكدا سماحته ان "من توفرت لديه الميزات المذكورة انفا لابد ان يمتلك هذا الجانب من علم اللغة العربية لكي يستطيع ان يعبر عن المعنى الذي يختزنه في صدره وفي عقله، الشكل المناسب والجميل الذي يتوفر على القدرة التعبيرية من جهة وعلى القدرة التاثيرية على السامع من جهة اخرى"؛ منوها الى ان علم البيان في نفسه متضمنا اقسام وتفاصيل اخرى. 

٦- هذا واشار الشيخ الاراكي الى القسم السادس من العلوم التي تحتويها اللغة العربية وهو علم "الدلالة"، منوها الى ان "هذا الجانب لايختص باللغة العربية فقط، الا ان العربية نظرا لسعتها وميزتها الخاصة استطاعت ان تحتضن علم الدلالة وان تكون المهد الذي يتولد فيه علم الدلالة". 

واضاف سماحته ان علم الدلالة يخص بالمستمع (السامع) الذي يريد فهم ما يقصده المتكلم من خلال استخدامه للمفردات والجمل العربية؛ وذلك خلافا للاصناف الخمسة الاخرى التي تخص المتكلم وليس السامع. 

وفي نهاية شرحه لهذه التفاصيل عن اللغة العربية اكد الامين العام للمججمع العالمي للتقريب ان "ايران اليوم يمكن ان تصبح قدوة للعالم الاسلامي من خلال اهتمامها بعلم اللغة العربية"؛ موضحا ان المدارس والحوزات الاسلامية في قم المقدسة تمتلك اكبر مخزون من الذخيرة العلمية التي ترتبط باللغة العربية؛ مشيرا في الوقت نفسه " لكن المشكلة هي ان هذه الذخائر العلمية لم تنشر بالشكل المطلوب، ولم تعرض بالطريقة التي يستطيع العالم ولاسيما العالم العربي، ان يفهمها وان يتفاعل معها". 

وفي جانب اخر من حديثه اكد سماحته ان "مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) هي التي اسست اللغة العربية في كل مجالاتها التي اشير اليها؛ وبذلك، هذه اللغة مدينة لهذا الفكر العظيم". 

وفي السياق ذاته تطرق الشيخ الاراكي الى الشعر العربي قائلا ان "الشعر العربي خزين حضاري عظيم وهو مدين لمدرسة اهل البيت (ع)"؛ مشيرا الى نماذج من "الشعر العربي" التي انفرد بها شعراء مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) بمختلف انواعه كـ "الرثاء" و"شعر العرفان" و"شعر الارجوزة" الذي هو نمط ادبي خاص بالشعر العربي وايضا "الادب الدعائي". 

وشدد بقوله "لايوجد فكر او مدرسة فكرية في العالم الاسلامي استطاعت ان تخدم الشعر كما خدمته مدرسة اهل البيت (ع)"، مستدلا في هذا الشأن بكبار تاريخ الادب والشعر العربي كــ"المتنبي" و"الفرزدق" و"كميت" و "دعبل الخزاعي" "ابو تمام" وغيرهم، من الذين كانوا تبّعا لمدرسة ال بيت الرسول محمد بن عبد الله (صلوات الله عليه وعليهم اجمعين). 

وفي الختام خلص اية الله الاراكي الى القول بأن "مستقبل البشرية يكمن في مستقبل الاسلام والفكر الحضاري الذي يقدمه ديننا الحنيف في مختلف مجالات العلوم الانسانية، والتي يمكن استنباطها من الكتاب والسنة؛ داعيا طلاب العلوم والشباب المسلم للتوجه الى استنباطها من مصادرها الحقيقية. 

كما تقدم سماحته بالشكر والتقدير لرئيس جامعة الامام الصادق (عليه السلام) اية الله الشيخ مهدوي كني رئيس مجلس خبراء القيادة الايرانية على "خدماته وجهوده في تاسيس جامعة الامام الصادق (ع) باعتباره "صرح علمي عظيم بدأ ياتي اكله اليوم بتخريج الاكاديميين الذين استطاعوا ان يجمعوا بين علوم الدين والدنيا". 

يذكر ان جامعة الامام الصادق (عليه السلام) التي اسست خلال السنوات الاولى من الثورة الاسلامية الايرانية، هي من النماذج الاكاديمية الفريدة التي جسدت رؤية "التقارب بين الجامعة والمدارس الدينية والحوزات العليمية" التي دعا اليها المسؤولون الجمهورية الاسلامية وعلى رأسهم الامام الخميني الراحل؛ وقد وضعت هذه الجامعة ضمن مناهجها الدراسية وفي جميع المراحل كالبكلوريوس والماجستير والدكتوراه، وضعت الدروس الاسلامية مصاحبة للدروس التخصصية. 

ويدرس طلبة جامعة الامام الصادق (ع) في افرع عديدة من العلوم الانسانية كـ القانون والعلوم السياسية والاقتصاد وادارة الاعمال وغيرها؛ كما تركز الادراة العلمية للجامعة على ان يُتقن خريجو هذه الجامعة نطق اللغة العربية الى جانب احدى اللغات الاجنبية كالانجليزية او الفرنسية.

* اعداد حيدر العسكري.

لمشاهدة التقرير المصور انقر هنا