الحركات الإسلامية وقضيّة الوحدة بين المسلمين
إنّ بناء الشخصية الحركية الإسلامية على قاعدة أنّ الوحدة الإسلامية عنصرٌ أساس من عناصر هويّته، هو تكليفٌ شرعيّ إيمانيّ، يحقّق العزّة والرفعة للإسلام وراية التوحيد.
يجري الحديث عن مسألة الوحدة الإسلاميّة على 3 مستويات:
الأوّل: مستوى القيادات العُليا، والمتمثّلة في المرجعيّات الدينية والقيادات السياسية، وهذه عادة ما تكتفي بالتوجيهات أو بالفتاوى التي تُعلنُ موقفاً عامّاً، تاركةً لغيرها من المستويات مهمّة تحويل تلك التوجيهات العامّة إلى ثقافة مجتمع، بحيث يتبنّى أفراده مسألة الوحدة نظريّاً ويطبّقها عمليّاً.
الثاني: مستوى الأطر الوسطى، وهو يتمثّل في النّخب الثقافية من باحثين وكتّاب ورجال دين ووسائل إعلام أو إعلاميّين وغير ذلك من المؤثّرين في الرأي العام.
الثالث: مستوى الجماهير أو الرأي العام، وهؤلاء هم الذين يشكّلون القاعدة الأساسيّة لتجسّد الوحدة الإسلامية في الحياة، باعتبارهم الأكثريّة العددية، وهم عمليّاً يعكسون حال المجتمع.
من المهمّ لنا هنا أن نُشير إلى أنّ الأطر الوسطى تؤدي دوراً حسّاساً وخطراً في مسألة الوحدة، فهي التي تنتج الثقافة الجماهيرية وتوجّه الرأي العامّ، وذلك لكونها الأكثر احتكاكاً بالجماهير وعامّة النّاس، وهي حين تُمارس دور الوسيط بنجاحٍ بين القيادة والجماهير فإنّ قضيّة الوحدة تتقدّم خطواتٍ كبيرةً إلى الأمام.
موضوع المقالة
من خلال هذه المقدّمة، يمكن لنا أن ندخل إلى الهدف من مقالتنا هذه، وهو تحديد الدّور الذي يجبُ أن تضطلعَ به الحركات الإسلاميّة في تفعيل الوحدة الإسلامية كثقافة حياة.
لكن لا بدّ لنا قبلاً من أن نورد تعريفاتٍ مختصرةً لبعض المصطلحات:
1) الحركة الإسلامية: هي كلّ إطارٍ حزبيّ يرتكزُ إلى الإسلام كناظمٍ لمشروعه وأهدافه وحركته في المجال السياسي. وهو بذلك يشملُ حتّى الحركات الإسلامية المتطرّفة والتكفيرية؛ إلّا أنّ ما يعنينا في مقالتنا هو الحركات الإسلامية ذات المشروع المقاوِم للاحتلال الصّهيوني بشكل خاصّ؛ للسبب الذي سنبيّنه لاحقاً بإذن الله.
2) الوحدة الإسلاميّة: هي –أوّلاً- اللقاء على تفعيل المشتركات بين أتباع المذاهب الإسلامية في اللحظة الراهنة لتاريخهم من أجل صناعة واقعٍ وحدويّ على قاعدة الإسلام؛ واتّخاذ الحوار كوسيلة دائمة من أجل الوصول إلى موقفٍ ما تجاه المختلَف فيه. وهذا الحوار تقتضيه طبيعة التنوّع والاختلاف الذي يحكم المسار العام للوجود الإنساني، سواء أكان فرداً أم جماعةً، وليس مما يقتضيه مفهوم الوحدة فحسب؛ ولكنّه مدخلٌ أساسٌ لإزالة عوامل الفرقة، علماً أنّ المقصود به هنا ليس شكله الفردي الساذج، بل أطره المؤسّسية التي تجعل منه جزءاً من حركة المجتمع ومؤسّساته العاملة بشكل دائم.
أهمّية دور الحركة الإسلامية
تكمن أهمّية تناول موضوع الوحدة من زاوية دور الحركات الإسلامية من 3 أسس:
الأوّل؛ لأنّ الوقائع أثبتت أنّ تلك الحركات تملك الرصيد الشعبي الكبير، وخصوضاً العنصر الشبابي، وهي قادرة على تحريكه نحو أهدافٍ محدّدة، أكثر من الأنظمة السياسية التي تحكم الدول الإسلامية، والتي تحيط بها مجموعة كبيرة من التعقيدات بسبب العلاقات السياسية الدولية التي تفرض نفسها على الساحة الإقليمية والعالمية، وكذلك الداخلية بشكل وبآخر.
الثاني: أنّ الحركات الإسلامية هي حوامل قضايا الأمّة، وتحديداً قضيّة تحرير فلسطين كقضيّة مركزيّة، وبعد تحقيق إنجازات وانتصارات تاريخية شكّلت هذه الحركات نقاط ارتكاز استنهاض وفاعليّة كبيرة على مستوى الأمّة، وهذا الأمر يجعل تعاطيها مع قضيّة الوحدة مهماً واستراتيجيّاً.
الثالث: أنّ الجماهير هي الشرط الأساس للنجاح في أيّ قضيّة تلتزمُ بها؛ وما يعنينا في مقالتنا هذه هو قضيّة تحرير فلسطين كقضيّة مركزيّة للأمّة، التي تكمن أهمّيتها في كونها ناظم عقد كلّ أنواع الهيمنة الاستكبارية والاستعمارية على منطقتنا، وأيضاً هي القضيّة التي تمتدُّ تأثيراتها على طبيعة النظام العالمي في حركة السياسات الدولية تجاه الشّعوب والقضايا؛ وهي القضيّة التي نريد لها أن تُعيد تصويب النظام والسياسة العالميّين لتكون العدالة فوق القوّة وليس العكس كما هو حاصل.
وهنا يكمنُ لدينا عوامل مؤثّرة عدة في الجماهير:
أ- اتّساع التقنيّة في العصر الحديث، حيثُ مكّنت العولمة الإنسان الفرد من امتلاك وسائل الاتّصال والتواصل، ما جعل مسألة الوعي الإنساني متأثّرة على نحو كبير بما تبثّه هذه الوسائل، والتي باتت إحدى الركائز الأساسيّة التي تدخُل في الحرب، حتّى بتنا نشهد معها ما سمّي "حروب الجيل الخامس" التي تستهدف السيطرة والتحكّم بالإنسان من خلال التأثير في وعيه؛ ما يجعلنا أمام حقيقة أنّ الانتماء إلى جماعة دينية (مذهب أو طائفة) أو إلى حركة إسلامية معيّنة لا يجعل الإنسان المنتمي ثابتاً في ثقافته ونظرته وحركته.
ب- أنّ الحركات الإسلامية دخلت في السنوات الماضية في صراعٍ عنيفٍ في الأمن والسياسة، ما استدعى من القوى المعادية استحضار كلّ الركام التاريخي المناقض للوحدة، الذي أخذ يشكّل الأداة الأكثر فاعليّة على تشويه الوعي الجماهيري، وخصوصاً الأفراد المنتمين إلى الحركة الإسلامية نفسها.
ت- أنّ الصراع العنيف الذي جرى أخيراً ولا يزال قد أظهر تبايناً في الاستراتيجيّات تجاه القضيّة المركزيّة نفسها، من حيث: بروز رؤى متباينة حول عدد من القضايا الأساسيّة، ويمكن أن تندرج هذه الرؤى في إطار رسم الاستراتيجيّات وتحديد الأولويّات؛ فقد تحوّلت فلسطين في حساب بعض الحركات إلى قضيّة لها المقدار نفسه من الأهمّية التي تحتلّها مسألة مواجهة أنظمة الاستبداد، حتّى إنّه لم يجرِ التفريق في هذا المجال بين هذه الأنظمة، ومدى تشكيلها شرطاً أو ظرفاً للتحرير ومقاومة الاحتلال ومواجهة قوى الهيمنة على المنطقة، كما أخذت مقولة شرعية الاستناد إلى القوى الاستكباريّة في عمليّة التغيير الداخلي تسود لدى غير حركة، ومن دون وضع أيّ خطوط حمر في هذا المجال، حتّى أدّى ذلك ببعضها إلى فقدان السيطرة على الموقف وتعقيد الواقع أمام الجميع، كما كان لهذا الأمر انعكاسات سلبية كبيرة على الذهنية العامّة للجماهير، سواء تجاه نظرتها إلى نفسها أو إلى قضاياها.
وجهة الحركة الإسلامية تجاه الوحدة
انطلاقاً ممّا تقدّم، وما اختزنَه من إشارات ونقاط لا تخفى على اللبيب، وحتّى لا نغرقَ في الإطالة، يمكن لنا الحديث عن ضرورة أن تفكّر الحركات الإسلاميّة الفاعلة، وتحديداً الحاملة لمقاومة المحتلّ كمشروع تحرّري ونهضوي، أن تفكّر في أمور عدة نحسبُها ذات أهمّية قصوى في المرحلة الآتية من العمل الإسلامي الحركي بالخصوص:
أوّلاً: إعادة إنتاج الثقافة
لئن كانت مسألة التقويم الدّائم للثقافة تندرج في إطار حركة الفكر الناقد الذي ينبغي أن يكون سمةً إنسانيّة، وجزءاً من التعبير عن الذات بشكل دائمٍ، فإنّ ما أظهرته التجارب العنيفة الأخيرة، والمؤامرات الخارجيّة وعوامل نفوذها في منطقتنا، إضافة إلى التحدّيات الثقافية التي أفرزتها العولمة وما بعدها، كلُّ ذلك يقتضي التفكير الجادّ في القيام بالمسؤوليّة تجاه الإسلام والمجتمع والعلاقة بالآخر، المذهبي بخاصّة، وهو يقتضي –كضرورة حتميّة– إعادة إنتاج قراءة التاريخ وعلاقته بالنصّ وقراءاته، وتحديد موقع ثقافة الحركة المعاصرة من كلّ ذلك.
لا يصحُّ في حالٍ من الأحوال، وأمام المنعطفات الأخيرة التي مرّت بها الأمّة وتحدّياتها، أن تتعامل الحركة الإسلامية بذهنيّة مذهبية مغلقة، أو حزبيّة تجيد القفز فوق الخلافات المذهبية، والإهمال أو التراخي في معالجتها على قاعدة فكرية إسلامية أصيلة، فمثل هذا التقاعس يُهدّد الانسجام الداخلي على الصعيد الحركي والجماهيري، ويُبقي الحركة الإسلامية أسيرة السجال المذهبي ودوّامة الفتن على خلفيّة تكرار ما أنتجه السلف والتاريخ وتبريره حتّى لو ناقض العقلانيّة وقيم الإسلام في مصادره وقواعده المعرفية.
هذا الموضوع يزداد أهمّية مع الامتداد الجماهيري العاطفي للحركات الإسلامية، بعضها على الأقلّ، بحيث بات يُطلبُ منها الاهتمام بما هو أبعد من إطارها الحزبي أو الحركي، ما يتطلّب أن تعمل في الجانب الثقافي وفق آليّات بعيدة عن الفئويّة.
إنّ الخلط بين الجانب الأمني المقتضي لأقصى درجات الاحتياط في التنظيم والجانب الثقافي مسألة غير منهجية ولا صحيحة، وتوقع الحركة نفسها في حالة من الجمود الثقافي والضّعف عن مواجهة المتغيّرات، وتُدخلها في حالات تنافر مع دوائر حركية أخرى بشكل حادّ.
ثانياً: إنزال الثقافة إلى الأرض
على أثر الصراعات العنيفة التي عصفت بالمنطقة في السنوات الأخيرة، جرت حوارات بين عدد من الحركات الإسلامية، التي عزّزت عناصر الوحدة بينها، ما جعل من المقاومة ركناً رئيساً في معادلات المنطقة في مواجهة الاحتلال وقوى الهيمنة.
وهذه الحوارات ساهمت إلى حدّ لا بأس به في تبريد أجواء التنافر المذهبي على الصعيد الجماهيري العامّ، وحدّت من فعّالية دعوات التكفير ومفاهيم الفتنة، وحاولت جهات مرجعيّة كثيرة إيجاد حالة حماية لهذه التوجّهات الوحدويّة عبر فتاوى حرّمت التعرّض للرموز التي يقدسّها كلّ فريق؛ لكنّ ذلك يحتاج إلى متابعة متواصلة ومستدامة، عبر تعميق الإيمان بثقافة الاحترام المتبادل على قاعدة تقبّل الاختلاف، واعتبار أنّ أسلوب الاعتداء على مقدّسات أي طرفٍ يناقض الانتماء الإسلامي نفسه، فضلاً عن منافاته لأدبيات الحركة الإسلاميّة ومصلحة الإسلام العُليا.
نؤكّد أنّ هناك فرقاً بين إبراز الاحترام للآخر المذهبي انطلاقاً من المصالح السياسيّة، وكونه ثقافة إسلاميّة يطبّقها الإنسان الحركي كجزء من تكليفه وهويّته، وهو ما يضمنُ استمراريّتها في أجيال الحركة.
إنّ بناء الشخصية الحركية الإسلامية على قاعدة أنّ الوحدة عنصرٌ أساس من عناصر هويّته، وأنّ تعزيز الوحدة تكليفٌ شرعيّ إيمانيّ، وأنّه يحقّق العزّة والرفعة للإسلام وراية التوحيد، ويخدم قضيّة التحرير، ويساهم في تراكم بناء المشروع الحضاري الإسلامي، ويبعث الطمأنينة إزاء بعض الشكوك التي تراود هذه الحركات تجاه بعضها بعضاً، وهي شكوكٌ تُثار على شكل نوادر، كأن يتندرّ البعض فيتساءل عن أنّنا عندما نحرّر فلسطين، هل ندخل في حربٍ مذهبيّة في شوارع القدس؟! وبعضهم قد يهمسُ أصلاً: هل يحرّرها الشّيعة ليسلّموها للسنّة؟! ومن يسأل: ما شأنُ الشّيعة في القُدس وفلسطين؟! وما إلى ذلك من أسئلة قد تغلّف بالنكتة، ولكنّها تعكسُ أزمة هويّة إسلاميّة جامعة، تراكمت عبر التاريخ، وتُركت على رسلها، حتّى استطاع المستكبرُ والمستعمرُ استغلالها لزرع أفكار الفرقة، من قبيل أنّ الشيعة يستغلّون فلسطين لمصلحة خاصة، أو أن السنّة غير جادّين في حمل قضيّة التحرير، حتّى وصلت تلك الأفكار إلى بعض جماهير الحركات الإسلامية المقاوِمة نفسها.
لذا فإنّ تأصيل الثقافة المستندة إلى إعادة إنتاج الهويّة الإسلامية الجامعة، وتحكيم أخلاقيات الإسلام وروحيّته في التربية الحزبية والحركية بات أمراً حيوياً لإنجاز مشروع التحرير الكبير.
ثالثاً: الأيديولوجيا ليست كافية
إنّ بناء الحركة الإسلامية على هذه الأسس يمنحها الفرصة لمواجهة المتغيّرات والأسئلة والإشكاليّات المعاصرة التي يتعرّض لها الإسلام، وهو ما يعزّز وحدة الحركة الإسلامية على تنوّعها، ويساهم في تعزيز المناعة الإيمانية اللازمة –وخصوصاً جيل الشّباب- أمام الحملات والتحديات المضادّة، التي بات الإنسان موصولاً بها تلقائياً.
إنّ اقتصار الحركة الإسلامية على التثقيف الأيديولوجي لم يعد كافياً في تمتين الإيمان في نفس الإنسان الحركي، بل يحتاج الأمر إلى حركة فكريّة عميقة وموازية تقوم بها الحركة الإسلامية بطريقة ذكيّة، تجمع فيها بين تعميم الأيديولوجيا – وهي الأفكار التي تخدم المصالح الإسلامية في مرحلة زمنيّة معيّنة –وإيجاد حراك فكري أصيل بالاستناد إلى قواعد صلبة في مواجهة التحدّيات والمتغيّرات، ويتيح تعديد الأيديولوجيا أو تطويرها بطريقة لا تخلّ بالمسار الحركي.
رابعاً: المشاريع المشتركة
كثيرٌ من الأمور التي يجري النقاش فيها بين الحركات الإسلامية هي قضية الوحدة كموضوع، بينما يُحتاج إلى أن تكون الوحدة منهجيّة عمل؛ بحيث يجري تفعيل المشاريع المشتركة التي تهمّ الناس على وجه الخصوص، وتجري إدارة الحوار حول كيفية توزّع الأدوار مع وحدة الهدف، وينخرط في هذا الأمر المستويات الاجتماعية التي أشرنا إليها، كلٌّ بحسب دوره، ويكون الناتج على مستوى الجماهير هو كسر كثير من الصور النمطية التي يحملها أتباع كلّ حركة عن الآخر.
ربّما من المهمّ الحديث عن مقاومة الاحتلال كمشروع مشترك، وهو يقع في نواة المشاريع الأخرى؛ باعتباره مشروع تحرّر له انعكاساته على الشخصيّة والمجتمع، لكنّنا نُريد هنا أن تتوسّع الدّائرة إلى مواضيع ذات صلة بمجالات عمل المجتمع، كقضايا التربية والبيئة والاقتصاد والعلاقات ومتابعة الظواهر السلبية ذات الصّلة بالجانب الشرعي أو الأخلاقي وما إلى ذلك.
لو تأمّلنا، على سبيل المثال، في المشاريع التي يقوم بها طلّاب المدارس على قاعدة التنوّع، وكذلك طلّاب الجامعات، أو ما إلى ذلك، لأدركنا أنّ النتائج العملية المترتّبة عليها أسرع من كثير من التنظير عن الوحدة؛ لأنّها هنا قضيّة يجري عيشُها وإدراك أثرها على الناتج الذي يسعى له كلّ طرفٍ بالتعاوُن مع الآخرين، بينما هي هناك قضيّة فكرية لا تلبثُ أن تغيبَ عندما يعودُ الإنسان إلى ما ألفه من أفكار وعادات ومواقف.
هل يمكن –كمثال آخر– أن نجد أوراقاً بحثيّة يقومُ بها اثنان ينتميان إلى حركتين إسلاميّتين مختلفتين مذهبيّاً حول موضوع يهمّهما؟ ألا نتوقّع حجم التأثير الإيجابي على قضية عيش الوحدة على منهجيّة التعاطي من قبل كلّ منها مع المشتركات والمختلَف فيه في المجال الإسلامي، كما في كلّ مجالات الحياة؟
خامساً: العناية بالمرأة
تعد المرأة نصف المجتمع، وأيضاً هي نصفُ الحركة؛ والإسلام وإن لم يُلزمها الجهاد العسكري، كجزء من توزيع الأدوار وتمتين جبهة المجتمع بكل أبعادها، لكنّه حباها بالطاقات الإنسانية الكاملة التي تحتاج معها –وليس من حقّها فقط- إلى المساهمة الفعّالة في أيّ ميدانٍ تستطيع أن تبدع فيه، على قاعدة أنّ المسؤوليّات العامّة من شأن الإنسان، وأنّ ميدان الأسرة هو من شؤون الأمومة والأبوّة معاً. يكفينا في ذلك قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[1].
إنّ جزءاً ممّا خبرته ساحات الصّراع ضدّ المجتمعات الإسلاميّة هو استغلالُها نقاط الضّعف المرتبطة بتمكين المرأة المسلمة، والتي جُعلت -في التسويق الغربي الاستكباري خصوصاً– بين تطرُّفين؛ إمّا الاحتباس داخل الأسرة، وإما الخروج من المنظومة الدّينيّة!
هذا كلُّه يجعل إهمال قضيّة المرأة في الحيّز الإسلامي العامّ ثغرةً يمكن أن تهدّد تأثير الحركة الإسلاميّة حتّى تجاه أبنائها، فضلاً عن أنّ إيمان المرأة وتديُّنها العميق يحتاجان –إلى جانب الإجابة عن أسئلتها الخاصّة والعامّة– إلى الفسح في المجال لها للمساهمة في القضايا الكُبرى التي تتبنّاها الحركة الإسلاميّة، وفي الخصوص قضايا الوحدة والتحرير.
لا تزال حركات كثيرة تعاني مشكلة في إبراز الطاقات النسوية كجزء من الحالة القيادية بشكل فاعل في الحيّز العام الظاهر، وأقصد هنا الحالة الفرديّة، بحيث تسمح الحركة الإسلامية للمرأة القائدة بالتعبير عن حضورها –بهويّتها ومظهرها الإيماني– بما يشكّل نموذجاً حيّاً في الحركة والمجتمع الإسلاميّين؛ لأنّ هذه باتت حاجة ملحّة للإنسان المعاصر، لا للمرأة وحسب، وإذا لم يجرِ تلبيتها فستكون ثغرةً يمكن إضعاف حضور المنظومة في أبناء الجيل الإسلامي؛ لأنّ الحاجة إلى النموذج الحيّ توازي الحاجة إلى النموذج المثاليّ.
سادساً: إنتاج الفكر السياسي الإسلامي
الحركة الإسلامية لا بدّ من أن يواكب مسيرتها التنظيرُ الفكري للتجربة الحزبيّة، وبما حملته في تاريخها من نقاط قوّة وضعف، ولا سيما أنّ هذا النمط من التنظيم هو نتاج لا ينتمي إلى الثقافة الإسلاميّة، وهذا جانبٌ مهمّ يتطلّب أن تلتفت الحركة الإسلامية إلى نفسها وهي تتحرّك في الفضاء السياسي؛ حتّى لا تجد نفسها آخذةً بآليّات غير إسلاميّة.
هنا أيضاً، تتطلّب قضيّة الوحدة لدى الحركة الإسلامية إيجاد أطر لتلاقح الأفكار والتجارب وتناول الهموم الإسلاميّة العامّة فيما بينها، وهو ما تفرضه الروح الإسلامية وأدبيّاتها وأخلاقيّاتها التي لا معنى للحركة الإسلامية من دون ملاحظتها وتطبيقها.
وهنا ثمّة مسألة مهمّة لا بدّ من الالتفات إليها، وهي التي تتّصل باتخاذ الحركة الإسلامية مواقف قد تكون غير مسوّغة أخلاقياً، فيما يقتضيه فقه الضرورة، وهو أمر يجبُ تحديده بوضوح، وصوغ قواعده بشفافية وانطلاقاً من التعقيدات المعاصرة؛ لئلّا يختلط الأمر على الجماهير، فيسهل تالياً تسويق اتهام للحركة الإسلامية بأنّها انحرفت عن مبادئها.
أخيراً، ما قدّمناه هو بعض التأمّلات في دور الحركات الإسلامية في قضية الوحدة الإسلامية، مُدركين سلفاً أنّ الموضوع كبيرٌ وكثير التشعّبات، لعلّنا نفتح من خلالها مجالاً للمزيد من التأمّل والتفكير حولها؛ والله من وراء القصد.
[1] سورة التوبة: 71.
المصدر: قناة الميادين