حديث التقريب ... رموز زمزم
حديث التقريب … رموز زمزم
يتقاطر المسلمون هذه الأيام على مهبط الوحي لأداء مناسك الحج بعد انقطاع بسبب جائحة كرونا. وهذه الفريضة الجامعة للناس القادمين من كل فج عميق تقام هذا العام في ظروف خاصة تحيط بالعالم الاسلامي بل بالعالم أجمع، وتستدعي الالهتمام أكثر بكل ما في الحج من رموز إحيائية حضارية.
مخصص هذا الحديث لزمزم ومافيه من رموز تستدعي الاهتمام، خاصة إذا نظرنا اليها من زاوية ما أمر الله به في هذه الفريضة: (ليشهدوا منافع لهم).
زمزم جاءت نتيجة سعي.. سعي هاجر .. وسعي هاجر مبعثه العطش. والعطش مفردة هامة في منظومة مستقبلنا الحضاري..
أمتنا بحاجة الى عطش معرفي .. وإلى عطش تكاملي.. وإلى عطش يدفعها إلى حركة نحو الله سبحانه.
الإسلام بنظرة عرفانية يدعو إلى العطش وبدونه لا تتفجر مواهب الإنسان، وعبّر العرفاء عن هذه الدعوة بأساليبهم. يقول جلال الدين الرومي في "المثنوي" (بالفارسية):
آب كم جو تشنگي آور بدست
تا بجوشد آبت از بالا و پست
أي: أقلل من طلب الماء واطلب العطش
كي تنفجر مياه (معرفتك) في كل أركان وجودك.
العطش المعرفي هو الذي دفع المسلمين لان يسيحوا في الأرض لينظروا كيف بدأ الخلق.. وهو الذي دفعهم لرؤية آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم، وهو الذي يوفر الأجواء للمستضعفين ليمكننّ الله لهم في الارض وليجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين.
العطش وراء (سعي) هاجر، وهو راء كل سعي ينال الإنسان من ورائه عطاء الله وبركاته: (وأن ليس للانسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى).
لكن هذا العطش يجب أن يرافقه توجيه الهي كي يصل العطشان الى الماء، والا فسيكون مسيره نحو (سراب):
(والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا...)
إذن زمزم تذكر أولاً بالسعي.. وبالسعي المتوجّه الى الكامل المطلق سبحانه .. تذكر بحتمية وصول الساعي الى الله الى مبتغاه.. الى أن تتفجر ينابيع المعرفة في داخله وخيرات الله وبركاته في أرضه. العطش المقرون بالايمان فجّر زمزم لتروي الأجيال تلو الاجيال. وهو الذي يفتح بركات السماء والارض.
زمزم لوحدها كافية بما تحمل من رموز ودلالات لأن نفكر في واقعنا وفي مستقبلنا، ولان نخطط نحو بناء غدنا الحضاري.
جيلنا متعطّش فطرياً الى الجمال، ويجب أن نضع أمامه كلَّ ما هو جميل حقاً كي لا يتجه إلى سراب من الأهواء الجنسية.
جيلنا متعطش للجديد والحديث ويجب أن نضع أمامه النافع والصالح من الجديد كي لا يقع في أفخاخ تُنصب له باسم (الحداثة).
جيلنا متعطش للتزوّد بالمعارف والعلوم ولابدّ أن يسعى العلماء الرساليون الى أن يلبوا حاجته لينهل هذه المعارف والعلوم من ماء عذب فرات، والا فسوف يتجه الى الملوث من المياه والآسن من البِرَك التي ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه العذاب.
جيلنا متعطش فطريا الى العزّة، ويجب أن نوجّهه نحو العزّة الحقيقية في كنف الله (من أراد العزة فلله العزّة جميعا) وبدون ذلك سوف يلجأ إلى أعداء الله وأعداء أمته يبتغي عندهم العزّة.
زمزم هي مفردة من مفردات البناء الحضاري الذي يجمع العطش .. والسعي .. السعي الهادف البنّاء .. والثقة بأن (سعیه سوف يُرى).
أليست زمزم بهذه النظرة مما يجمع المسلمين على هدف تكاملي وسير توحيدي؟ أليست مما يجعل المؤمنين بمختلف مذاهبهم يتحركون بقلب واحد نحو بناء مستقبلهم الحضاري؟
نعم.. إنها كذلك، ولكن هذا يتطلب البصيرة .. البصيرة .. رزقنا الله وأمتنا هذه البصيرة القادرة على تحقيق التوحيد والوحدة. آمين.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الشؤون الدولية