حديث التقريب ... الحج منطلق الوحدة الاسلامية
حديث التقريب
الحج منطلق الوحدة الاسلامية
فرض الله سبحانه على المسلمين حج بيته الحرام: (ليشهدوا منافع لهم) ولا شكّ أن أعظم منافع الحج في عصرنا الراهن هي وحدة الامة الاسلامية. بهذه الوحدة يتحقق الوصف الذي اُطلقه رسول الرحمة على هذه الأمة حين قال عنها إنها كمثل الجسد الواحد "إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
وبهذه الوحدة تتحقق عزتها التي هي من مستلزمات عودتها الى (الحياة) والى الحركة على ساحة التاريخ والى إقامة الحضارة الإسلامية الحديثة.
الإحيائيون بأجمعهم أكدوا على هذا المفهوم الحضاري للحج. الإمام الراحل الخميني الكبير في نداءاته السنوية الى حجاج بيت الله الحرام كان يؤكد باستمرار على ذلك، وخَلَفه الصالح الامام الخامنئي واصل هذه السنة الحسنة فذكّر في نداءاته السنوية بما يجب أن يستوعبه المسلمون من مفهوم الحج ليؤدي منافعه المطلوبة وأحد محاور هذا التذكير وأبرزها موضوع دور الحج في تحقيق وحدة المسلمين.
وهذا على سبيل المثال مقطع من ندائه الذي وجهه الى حجاج بيت الله الحرام بل الى المسلمين جميعاً عام 1411 ه. فقد قال في معرض ذكر الموضوعات التي ترتبط بمنافع الحج ما يلي:
"الحج أيضا مظهر لوحدة المسلمين واتّحادهم، وإنّه دعوة الله تعالى لكل المسلمين المستطيعين الى مكان خاص وفي زمان خاص ليجتمعوا ليالي واياماً بعضهم عند البعض الآخر، في إطار أعمال ومناسك تمثل مظهر التعايش والانتظام والتنسيق، وتحمل معها الآثار الواضحة وعلى رأسها غرس الاحساس بالوحدة والجماعة في كل فرد منهم، وتقديم صورة لهم عن عظمة وشوكة اجتماع المسلمين، وإشباع ذهن كل واحد منهم بشعور العظمة والعزة. استشعار العظمة هو الذي يجعل المسلمين لا يحسون بالغربة والوحدة حتى ولو كانوا يعيشون في فتق جبل، واستشعار العزة هو الذي يغذي المسلمين في كل بلد إسلامي بالشجاعة اللازمة لمجابهة المعسكر المعادي للاسلام، أي لمجابهة هذه السيطرة السياسية والاقتصادية لعالم الرأسمالية وعملائها ودسائسها وفتنها، وهو الذي يصون المسلمين من فتنة التحقير التي كانت ولاتزال أول سلاح يمارسه المستعمرون الغربيون تجاه من يهاجمون من شعوب.
الاحساس بهذه العزة والعظمة يجعل حكومات المسلمين بالاعتماد على شعوبها مستغنية عن الاعتماد على القوى الاجنبية، وبذلك تنتفي هذه الفواصل المؤلمة بين الشعوب المسلمة وأجهزتها الحاكمة. وباستشعار هذ الوحدة والجماعة تتهاوى الدسيسة الاستعمارية التي استهدفت بالامس واليوم إحياء المشاعر القومية المتطرفة لخلق الفواصل الواسعة العميقة بين الشعوب المسلمة. وتصبح القوميات العربية والفارسية والتركية والافريقية والآسيوية جزء من الهوية الاسلامية الموحّدة، ومعبّرة عن سعتها الوجودية بدل أن تكون منافسة ومعارضة لها. وتمسي كل قومية وسيلة لنقل الخصائص الايجابية التاريخية والجغرافية والخصال الذاتية لكل قوم الى الاقوام الاسلامية الاخرى بدل ان تكون وسيلة ومبررا لأهانة القوميات الاخرى.
الحج بمشاهده ومناسكه وشعائره يجب أن يحرّك روح الوحدة والوئام والجماعة والعظمة والعزة في المسلمين على ظهر المعمورة، وأن يخلق من الشعوب والقبائل المتناثرة أمة واحدة، وأن يقود هذه الامة الواحدة نحو ساحل النجاة حيث العبودية المطلقة لله وحده ويوفر المقدمات اللازمة لتحقق قوله سبحانه: (إنَّ هذه أمّتكم أمة واحدة وأنا ربُّكم فاعبدون).
بناء الامة الواحدة التي تعفّر ناصية العبودية أمام الربوبية والوحدانية هو أمل الاسلام الكبير الذي يتيسر للمسلمين في ظلّه بلوغ كل الكمالات الفردية والجماعية. انه الهدف الذي شُرع الجهاد في الاسلام من أجل تحقيقه، وكلُّ واحدةٍ من العبادات والفرائض الاسلامية توفر الارضية اللازمة لإيجاد وتأمين جزء من أجزائه.
الحج الإبراهيمي المحمدي ـ صلى الله عليهما وآلهما ـ هو دون شك من أكبر مقدمات وأركان هذا الهدف الكبير، من هنا فإن ساحة الحج العظيمة مع ما فيها من أركان متمثلة بذكر الله: (فاذكروا الله كذكركم آباءكم) وإعلان البراءة من المشركين: (وأذانٌ من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الاكبر أنّ الله برييءٌ من المشركين ورسولُه) ففيها أيضا أعلى درجات الحساسية تجاه كل حركة من شأنها أن تخلق تمزقاً وعداء بين الإخوة أي بين أجزاء الامة الواحدة، حتى إن الجدال الذي لا يحوز على أهمية في الحياة العادية بين أخوين مسلمين محظور في الحجّ: (فلا رفثَ ولا فُسوقَ ولا جدال في الحج). نعم، نفس الساحة التي تكون فيها البراءةُ من المشركين أي من الاعداء الاصليين لـ "الامة الواحدة التوحيدية" لازمة وضرورية، يكون الجدال مع الاخوة المسلمين أي مع الاجزاء الاصلية لـ "الامة الواحدة التوحيدية" محظورا وحراما. وبهذا الشكل فإن نداء "الوحدة والجماعة" يتخذ طابعا اكثر صراحة في الحج."
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الشؤون الدولية