/ صفحه 250/
7 ـ وكذلك كان، فإن العصبية الجاهلية التي نبتت في آخر عصر الراشدين هي التي قطعت أوصال الوحدة الإسلامية، وكان الملوك الذين تسموا بأسماء الخلفاء يقرونها حتى يجدوا من ثغرة الخلاف ما يحكمون به في الجماعة الاسلامية؛ وينفذون منه إلى السلطان أو السلطة التي لا تعتمد على شيء من الحق والعدل، بقدر ما تعتمد على الدهاء، والعلم بسياسة التفريق والتخذيل وتوهين شأن الدين وإنه ليقول قائل ملوك بني أمية: (إن ربيعة لا تزال غاضبة على ربها أن جعل نبيه من مضر) ولعل ذلك القول يحكي بعض خواطر فعله وخلجات نفسه، لأن الله جعل نبيه من هاشم ولم يجعله من امية.
ولقد انتقلت العصبية في القرن الثالث الهجري من عصبية القبيلة إلى عصبية الجنس والأرومة، ثم إلى عصبية اللغة، فوجدنا الأمم التي دخلت في الإسلام من غير العرب قد اتجهوا إلى إحياء قومياتهم القديمة، وإحياء اللغات القديمة.
ولقد كان المسلم يسير من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، فلا يجد إلا لغة القرآن يتخاطب بها أهل الإسلام، فكان الرحالة المسلمون يسيرون من رياض الأندلس إلى الهند فلا يجدون مشقة في خطاب، إذ اللغة العربية تجمع الألسنة المتفرقة، فيشعر الجميع بأنهم أمة واحدة، إذ اللغة تجمع الخواطر والثقافة والتفكير والمنازع النفسية، وليست الأمم إلا ذاك.
وبعد أن انبعثت اللغات القديمة من مراقدها، انبعثت معها عصبية جامحة، وانقسامات جائحة، بل اختفى فيها نور العلم الإسلامي الذي كانت اللغة العربية وعاءه الذي زخر بكل ألوان الفكر الإنساني والاسلامي، وهل يعلم الناس أن فارس أصبحت لا تعرف العربية إلا في عدد محدود من رجالات العلم بها؛ وهي التي أمدت الفكر الإسلامي بأبي حنيفة والجاحظ والبخاري والفارابي وابن سينا، وجار الله الزمخشري، وفخر الدين الرازي، وشمس الأئمة الرضي، وغيرهم من أعلام الفكر الإسلامي والبيان العربي، وهل يعلم الناس أن بلاد ما وراء النهر التي كان منها الشيرازي صاحب المهذب وغيره من أفاضل العلماء، يسير فيها