/ صفحه 248/
من ظلم من لا يجد ناصراً غير الله " وقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " اجتنبوا دعوات المظلوم ولو كافرا، فإنها ليس دونها حجاب " وقال عليه الصلاة والسلام: " من مشئ مع ظالم ليعينه، وهو يعلم أنه ظالم، فقد خرج من الإسلام " وقال عليه الصلاة والسلام: " من أعان ظالما ليدحض بباطله حقاً، فقد برثت منه ذمة الله، وذمة رسوله، وهكذا يتضافر النهي عن الظلم، لأنه الهادم لبناء المجتمع الإسلامي.
الأمر الثالث: الذي يفك الوحدة الإسلامية، وهو الذي فكها، وانهارت بسببه دعائم بنائها هو العصبية، والعصبية أساسها أن يحس المسلم بانتمائه لقبيله أكثر من إحساسه بانتمائه للإسلام، وأن يؤثر الدعوة إلى العصبية على الدعوة إلى العدل، سواء أكانت العصبية هي القبيلة في دائرتها الضيقة، أم اتسع معناها فشمل الإقليم، أو شمل الجنس واللون، فكل تمسك بالانتماء لقبيلة أو نسب أو جنس أو إقليم هو من قبيل التمسك بالعصبية، وإيثارها على التمسك بعرى الحق والعدل، ومبادئ الإسلام التي لا تفرق بين جنس وجنس، ولون ولون، والتي يتمثل فيها قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " كلكم لآدم، وآدم من تراب ".
5 ـ وإن الدعوة إلى العصبية أيا كان شكلها ومظهرها هي الداء الدفين الذي ذهب بوحدة الإسلام، وفرق أمر المسلمين، وما زالت تلك الدعوات هي التي توسع الهوة، وتقطع أسباب الاتصال، وتجعل بأس المسلمين بينهم شديداً، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، بل إنهم فقدوا في الوحدة الشكل والجوهر، والمظهر والحقيقة، وكان من المسلمين من يجهر بموالاته للذين يخربون الديار الإسلامية، ويبيدون المسلمين، من غير أي حركة مانعة، ولا أي قوة دافعة، حتى لقد استمرءوا لحوم المسلمين، كما تستمرئ الذئاب دماء البشر؛ وكما يستمرئ الكلب المسعور دماء الأحياء.
ولقد نهى النبي الذي ما كان ينطق عن الهوى عن العصبية وشدد في النهي، لأنه كان يتنبأ بأنها ستكون الداء الدوي الذي يصيب جسم الأمة الإسلامية،