ثم اصطبغت به ملجأ فهذا إدامك وحلواؤك وكل نومك فمن سمع بمثلك صبر صبرك أو عزم عزمك وما أظنك إلا قد لحقت بالماضين وما أظنك إلا قد فضلت الآخرين ولا أحسبك إلا قد أتعبت العابدين داود أنت كنت حيا في الآخرين وقد لحقت بالأولين وأنت في زمن الراغبين ولقد أخذت بذروة الزاهدين وأما المسجون فيكون مع الناس محبوسا فيأنس بهم لأن العدد كثير منهم معه وأما أنت فسجنت نفسك في بيتك وحدك فلا محدث ولا جليس معك فلا أدري أي الأمرين أشد عليك الخلوة في بيتك تمر به الشهور والسنون أم تركك المطاعم والمشارب لا تأكل منها ولا تريح الى شيء منها لا ستر على بابك ولا فراش تحتك ولا قلة يبرد فيها ماؤك ولا قصعة فيه غداؤك وعشاؤك مطهرتك قلتك وقصعتك تورك وكل أمرك داود عجبا أما كنت تشتهي من الماء بارده ولا من الطعام طيبه ولا من اللباس لينه بلى ولكنك زهدت فيه لما بين يديك مما دعيت إليه ورغبت فيه فما أصغر ما بذلت وما أحقر ما تركت وما أيسر ما فعلت في جنب ما أملت أو طلبت أما أنت فقد ظفرت بروح العاجل وسعيت إن شاء الله في الآجل عزلت الشهوة عنك في حياتك لكيلا يدخلك عجبها ولا تلحقك فتنتها فلما مت شهرك ربك بموتك وألبسك رداء عملك فلم تنثر ما عملت في سرك فأظهر الله اليوم ذلك وأكثر نفعك وخشيت الجماعة فلو رأيت اليوم كثرة تبعك عرفت أن ربك قد أكرمك وشرفك فقل لعشيرتك اليوم تتكلم بألسنتها فقد أوضح اليوم ربك فضلها أن كنت منها فلو لم تسترح الى خير تعمله إلا حسن هذا النشر وجميل هذا المشهد لكثرة هذا التبع إن ربك لا يضيع مطيعا ولا ينسى صنيعا يشكر لخلقه ما صنع فيما أنعم عليهم أكثر من شكرهم إياه فسبحانه شاكرا مجازيا مثيبا .
حدثنا ابراهيم بن عبدالله ثنا محمد بن اسحاق الثقفي ثنا محمد بن عيسى ابن السكن ثنا محمد بن الصباح قال قال ابن السماك في جنازة داود الطائي ما أعجب شأنك وقد يزيد في عجبنا أنك من أهل زمانك قبرت نفسك قبل