[9] مقدمة الطبعة الاولى الارث الثقافي، وليس الحضارة المادية، هو أثمن ما خلفه الانسان للانسان. فبالثقافة يستكمل الانسان وجوده الحق، لانها تمده بالمعنى الذي لا يكون لولاه سوى وجود تافه في ميزان القيم والاقدار. وليست الحضارة المادية، مهما عظمت سوى حسنة صغيرة من حسنات الثقافة الانسانية إذا قيست بالآثار المعنوية لهذه الثقافة. ولا تفوتنا ملاحظة أن أغلب الآثار الثقافية وقتية وليست خالدة، وتخص بعض الشعوب دون أن تكون للانسانية كلها، وذلك لانها تصدر بتأثير عوامل اجتماعية معينة فتلبي حاجات عقلية واجتماعية معينة، ثم تفقد قيمتها عندما ينتفي العامل الذي أثارها، ولا يكون لها من الاصالة والعمق والعمومية ما يهئ لها أن تتعدى محيطها الخاص إلى محيط أوسع. وإلى جانب هذا الارث الثقافي الموضعي الوقتي تختص كل امة من الامم بآثار قليلة تعتبرها خالدة عندها، لا ينال من جدتها الزمان مهما طال، لان البحث فيها يتصل بما يدخل في الكيان الصميمي لتلك الامة، فهي لذلك تعتبر عند هذه الامة خالدة مادام لها كيان. وأقل منها تلك الآثار التي تعتبر ملكا للانسانية كلها في كل زمان. فلئن كان القسم الاعظم من الثقافة الانسانية محدودا بحدود الزمان والمكان. ________________________________________