[215] فهذا المجتمع قبلي يدين لرؤسائه بالطاعة المطلقة. وهؤلاء الرؤساء يطمحون إلى مزيد من القوة والسلطان والغنى والمنزلة الاجتماعية ولا يجدون شيئا منها عند الامام بينما هم يجدونها عند معاوية كما يشتهون. ويقول هؤلاء الرؤساء إن حكومة معاوية خير من حكومة علي وهي خير لهم بلا إشكال، وتسمع القبيلة كلها مقالة زعيمها فتدين بها، غير واعية أن حكومة معاوية ان كانت خيرا لرؤسائها فحكومه علي خير لها، وذلك لان هذه تستن المساواة سياسة لهما بينما تستن تلك سياسة الاثرة، وهم لا يعون هذا، لانهم ينظرون إلى الامور بالمنظار الذي ينظر به الرؤساء. على هذا النحو كانت سياسة معاوية تؤثر في العراق، وقد وعى ذلك جماعة من المخلصين للامام فقالوا له: (يا أمير المؤمنين أعط هذه الاموال، وفضل هؤلاء الاشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم واستمل من تخاف خلافه من الناس) (1). ناظرين إلى ما يصنع معاوية، ولم يكن رؤساء القبائل العربية في العراق يطمعون بأكثر من هذا، ولكن الامام أجابهم قائلا: (أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه ؟ والله ما أطور به ما سمر سمير (2)، وما أم نجم في السماء نجما (3)، لو كان المال لي لسويت ________________________________________ (1) شرح النهج، 1 - 182. (2) ما أطور.: من (طار يطور حول الشئ) إذا حام حوله، أي: ما أمر به، ولا أقار به (ما سمر سمير) أي مدى الدهر، وهو مثل. قالوا: السمير هو الدهر. (3) أم: قصد: أي ما قصد نجم نجما. ________________________________________