[373] نعم: أنا لا أشك في أن كل ما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لهج به إنما هو عن وحي منزل من السماء فإنه لا ينطق على الهوى إن هو إلا وحي يوحى، غير أن المصلحة في الإيحاء تخلف باختلاف الموارد، فليس كل صلة منه صلى الله عليه وآله وسلم أو بر تدل على فضيلة في المبرور فإنها قد تكون لإتمام الحجة عليه، كما أنها في المقام لإيقاف الملأ الديني على أن العداء المحتدم في صدور العبشميين على بني هاشم لا يزيحه أي عطف وصلة فإنه لا بر أوصل من المصاهرة ولا سيما ببضعة النبوة، لكن: هل قدر ذلك زوج أم كلثوم ؟ أو إنه اقترف ليلة وفاتها (1) ولم يكترث للانقطاع عن شرف النبوة، حتى أهانه رسول العظمة بملأ من الأشهاد، وحرم عليه الدخول في قبرها وهو في الظاهر أولى الناس بها بعد أبيها ؟ ولعل كل صهر أو مواصلة وقع بين بني هاشم والأمويين كان من هذا الباب، حاول الهاشميون وفي مقدمهم مشرفهم صلى الله عليه وآله وسلم تخفيض نائرة الإحن وتصفية القلوب من الضغائن، لكن هل حصلوا على الغاية المتوخاة ؟ أو انكفؤا على حد قول القائل: لقد نفخت في جذى مشبوبة * وقد ضربت في حديد بارد ؟ ولولا هذه المصاهرة وأمثالها لطالت الألسنة على الهاشميين لسبق، المهاجرة والقطيعة بين الفريقين، وحملوا كل ما وقع بينهما على تلكم السوابق، لكن الفئة الصالحة رواد إصلاح درأوا عن أنفسهم هاتيك الشبه بضرائب هذه المواصلات، وعرفوا الناس إن العقارب لسب من ذاتها، فلا يجدي معها أي لين وزلفة. ولعلك هاهنا تجد الميزة بين الصهرين مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وصاحب سيدتنا أم كلثوم، وتعليم سيرة الإمام مع الصديقة الطاهرة حتى قضت نحبها وهي عنه راضية، كما أنه فارقها وهو عنها راض، وغادر رسول الله صلى الله عليه وآله الدنيا وسلم وهو راض عنهما. وانظر إلى آخر يوميهما هذا يقترف ليلة وفاة أم كلثوم ما لا يرضي الله ورسوله ولا يهمه فراقها ولا يشغله الهم بالمصيبة وانقطاع صهره من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المقارفة، وذلك يندب الصديقة الطاهرة ويطيل بكاءه عليها وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله ! عني وعن ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بك، قل يا رسول الله ! عن ________________________________________ (1) مر حديثه في الجزء الثامن ص 213 - 234 ط 2 [*] ________________________________________