[313] أسود يعرف بالجمل، وكان لو حمل هذا الغلام على سكر دجلة لسكرها (1) من شدته وبأسه - وامضوا إلى هذا القبر الذي قد افتتن به الناس ويقولون: إنه قبر علي حتى تنبشوه وتجيئوني بأقصى ما فيه، فمضينا إلى الموضع فقلنا: دونكم وما أمر به، فحضر الحفارون وهم يقولون: " لا حول ولا قوة إلا بالله " في أنفسهم، و نحن في ناحية حتى نزلوا خمسة أذرع، فلما بلغوا إلى الصلابة قال الحفارون: قد بلغنا إلى موضع صلب وليس نقوى بنقره، فأنزلوا الحبشي فأخذ المنقار فضرب ضربة سمعنا لها طنينا (2) شديدا في البر، ثم ضرب ثانية فسمعنا طنينا أشد من ذلك ثم ضرب الثالثة فسمعنا أشد (3) مما تقدم، ثم صاح الغلام صيحة، فقمنا فأشرفنا عليه وقلنا للذين كانوا معه: اسألوه ما باله، فلم يجبهم وهو يستغيث، فشدوه و أخرجوه بالحبل، فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى مرفقه دم وهو يستغيث، لا يكلمنا ولا يحير جوابا، فحملناه على البغل ورجعنا طائرين، ولم يزل لحم الغلام ينثر من عضده وجنبيه (4) وسائر شقه الايمن حتى انتهينا إلى عمي، فقال: أيش وراءكم ؟ فقلنا: ما ترى، وحدثناه بالصورة، فالتفت إلى القبلة وتاب عما هو عليه، ورجع عن المذهب، وتولى وتبرأ، وركب بعد ذلك في الليل على مصعب ابن جابر (5) فسأله أن يعمل على القبر صندوقا، ولم يخبره بشئ مما جرى، و وجه من طم الموضع، وعمر الصندوق عليه، ومات الغلام الاسود من وقته. قال أبو الحسن بن الحجاج: رأينا هذا الصندوق الذي هذا حديثه لطيفا، وذلك من ________________________________________ (1) سكره: سده. (2) في المصدر: فسمعنا طنينا. (3) في المصدر: فسمعنا طنينا اشد. (4) في المصدر: ينتشر من عضده وجسمه. (5) في المصدر: إلى على بن مصعب بن جابر. ________________________________________