[ 97 ] والحق هو القول الاول. ومنشأ القول الثاني توهم هذا القائل أن الترك - الذي معناه ابقاء عدم الفعل المنهي عنه على حاله - ليس بمقدور للمكلف، لانه أزلي خارج عن القدرة، فلا يمكن تعلق الطلب به. والمعقول من النهي ان يتعلق فيه الطلب بردع النفس وكفها عن الفعل، وهو فعل نفساني يقع تحت الاختيار. والجواب عن هذا التوهم: أن عدم المقدورية في الازل على العدم لا ينافي المقدورية بقاءا واستمرارا، إذ القدرة على الوجود تلازم القدرة على العدم، بل القدرة على العدم على طبع القدرة على الوجود، والا لو كان العدم غير مقدور بقاء لما كان الوجود مقدورا، فان المختار القادر هو الذي ان شاء الله فعل وان لم يشأ لم يفعل. والتحقيق ان هذا البحث ساقط من أصله، فانه - كما اشرنا إليه فيما سبق - ليس معنى النهي هو الطلب، حتي يقال إن المطلوب هو الترك أو الكف، وانما طلب الترك من لوازم النهي، ومعنى النهي المطابقي هو الزجر والردع. نعم الردع عن الفعل يلزمه عقلا طلب الترك، كما ان البعث نحو الفعل في الامر يلزمه عقلا الردع عن الترك. فالامر والنهي كلاهما يتعلقان بنفس الفعل رأسا، فلا موقع للحيرة والشك في ان الطلب في النهي يتعلق بالترك أو الكف. 5 - دلالة صيغة النهي على الدوام والتكرار اختلفوا في دلالة (صيغة النهي) على التكرار أو المرة كالاختلاف في صيغة افعل. والحق هنا ما قلناه هناك بلا فرق، فلا دلالة لصيغة (لا تفعل) لا بهيئتها ولا بمادتها على الدوام والتكرار ولا على المرة، وانما المنهي عنه صرف الطبيعة، كما ان المبعوث نحوه في صيغة افعل صرف الطبيعة. غير أن بينهما فرقا من ناحية عقلية في مقام الامتثال، فإن امتثال النهي بالانزجار عن فعل الطبيعة، ولا يكون ذلك الا بترك جميع أفرادها فانه لو فعلها مرة واحدة ماكان ممتثلا. وأما امتثال الامر فيتحقق بإيجاد أول وجود من ________________________________________