الخاصة دائماً. وراحوا يستكشفون على هذا قوانين كثيرة. ولكن هذا الفرض إن كان واقعياً تقريباً بالنسبة للمجتمع الرأسمالي الأوروبي ومقاييسه الخلقية والعملية فإنه لا يمكن طرحه في مجتمعات أُخرى لا تشبه هذا المجتمع ـ كالمجتمع إسلامي ـ الذي عاش تجربة واقعية مختلفة تماماً عنه في قواعده العامة. فإن الإسلام ـ بوصفه ديناً ومذهباً خاصاً في الحياة، وإن لم يعالج أحداث الاقتصاد معالجة علمية ـ لكنه يؤثر على مركز هذه الأحداث وهو الإنسان فيغير مفاهيمه ودوافعه وغاياته. ورغم قصر التجربة الإسلامية لإيجاد المجتمع الكامل فقد أوجدت نتائج باهرة لم يحلم بها أفراد المجتمع الرأسمالي الغارقون في المادة. فقد حدثنا التاريخ عن أن جماعة من غير الأغنياء جاؤوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)قائلين: (يا رسول الله ذهب الأغنياء بالأجور، يصلّون كما نصلّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم. فأجاب النبي قائلا: «أو ليسَ قد جعل الله لكم ما تَصدقون به، إن لكم بكل تسبيحة صدقة وبكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة». فهؤلاء المسلمون لم يطلبوا الثروة لأنها تشبع رغباتهم الشخصية وإنّما عز عليهم أن يسبقهم الأغنياء بألوان البر والإحسان والمصالح الاجتماعية. وحدث الشاطبي قائلا عنهم: «تجدهم في الإجارات والتجارات لا يأخذون إلاّ بأقل ما يكون من الربح أو الأجرة، حتى يكون ما حاول أحدهم من ذلك كسباً لغيره لا له. ولذلك بالغوا في النصيحة فوق ما يلزمهم، كأنهم وكلاء الناس لا لأنفسهم، بل كانوا يرون المحاباة لأنفسهم ـ وإن جازت ـ كالغش لغيرهم». وتحدث محمد بن زياد عن التعاون والتكافل في المجتمع الإسلامي فقال: «ربما نزل على بعضهم الضيف، وقِدْرُ أحدهم على النار، فيأخذ صاحب الضيف لضيفه، فيفقد القدر صاحبها، فيقول: من أخذ القدر، فيقول صاحب الضيف: نحن أخذناها لضيفنا، فيقول: صاحب القدر: بارك الله لكم فيها». فهل يمكن أن نخضع مثل هذا المجتمع لنفس القوانين التي يخضع لها مجتمع رأسمالي أناني مادي لا يتبع إلاّ المصلحة الشخصية الضيقة؟