الفراغ المتروكة للحاكم الشرعي، لا نجد فيها تحديدات تمنع من تدخل عنصري الزمان والمكان في صياغة نوع الحكم فيها. أقول هذا، وارفض مطلقاً أن ننسى وظيفة المجتهد في الوصول إلى الحجّة الشرعية عن طريق القطع إمّا بالحكم أو بحجية الوسيلة الموصلة إليه. الأمر الثالث: قلنا إن هناك أحكاماً أوّلية ذكرتها الشريعة للأشياء في حدّ ذاتها وبغض النظر عن عوارضها. كما ان هناك أحكاما ثانوية، تنتجها الظروف القاهرة كالاضطرار والاكراه والضرر والحرج. فهي أمور تطرأ على الاشياء فتبدّل من أحكامها، ثمّ إنّ هناك أحكاماً ولائيّة يصدرها وليّ الأمر وفق ما يراه من مصلحة لتسيير دفة الحكم ويغير بها أحكام الكثير من المباحات الاولية، فهي بالتالي أحكام طارئة، وإن كانت إطاعة ولي الأمر الشرعي نفسها من الأحكام الاولية. ولسنا هنا بصدد بيان المساحات التي تنفذ فيها أوامر ولي الأمر، بقدر ما نحن بصدد بيان هذه الحقيقة، وهي ان الأصل في الحياة الطبيعية إنّما هو الأحكام الأولية، وكلما قربت الحياة إليها قربت إلى الصورة الإسلامية طبعا، مع ملاحظة ان الشريعة نفسها فسحت المجال لوليّ الأمر بالتدخّل وأعطته الضوابط العامة والأضواء الكاشفة التي تساعده على ممارسة هذه العملية. ولكن يبقى الحكم الأولي هو الأصل، تعود إليه الحياة متى سمحت الظروف وارتفعت الطوارئ. ولا ننسى ان نشير إلى ان هناك مباحات أكد الشارع الكريم إباحتها ـ ولو بالمعنى العام الشامل للمكروه والمستحب ـ وحينئذ فمن الصعب جداً حتى لولي الأمر ان يحد منها، اللهم إلاّ في الظروف القاهرة جداً; فاباحة الزواج تختلف في لسان الشارع عن إباحة المشي وأمثاله،