وهذا التقديم نستفيدها بشكل واضح من صيغة أفعل التفضيل الواردة في الآية المباركة: أولى. وانّما يصحّ هذا التقديم عند ما تتزاحم الإرادتان: إرادة الحاكم، وإرادة المحكوم. فتتقدّم في هذه الحالة الإرادة النبوية على إرادة المؤمنين. وهذه «الأولوية» هي «الولاية» الثابتة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الناس من جانب الله، ولم يذكر أحد لولاية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أمته معنىً غير هذه «الأولوية». وهذا المعنى من «الأولوية» هو جوهر الحاكمية وحقيقتها، وليس لحاكمية أحد على آخر معنى غير تقديم وتحكيم إرادة الحاكم على المحكومين عند تزاحم الإرادات. وأولوية إرادة الحاكم على إرادة المحكوم ليست من المقولات التي تقبل التشكيك، فإنّ حقيقة كلّ ولاية هي تقديم إرادة الحاكم على المحكوم، وتحكيم إرادة الأول على الثاني، ولكن قد تختلف الولايات اختلافاً رتبياً فيما بينها، فتكون ولاية حاكم فوق ولاية حاكم آخر، كما نشاهد كثيراً التسلسل في درجات المسؤولين والولاة، ويكون بعضهم فوق بعض، ودون بعض، إلاّ أنّها جميعاً تتّفق وتتساوى في حقيقة واحدة، وهي أولوية «الوليّ» في التصرّف في شؤون المولى عليه بالنسبة إلى نفسه، في المساحة التي جعلت الشريعة للوليّ ولاية على المولى عليه. وقد تختلف ولاية عن أخرى في مساحة الولاية، فإنّ ولاية مدير المدرسة على المدرسة محدّدة بمساحة نشاط المدرسة فقط، وولاية مدير المعمل محدودة بمساحة نشاط العمل، بينما تعمّ ولاية الوالي على البلد كما تعم النشاط في ذلك البلد. إذن لا اختلاف في مراتب الولاية إلاّ في أمرين اثنين: في المساحة التي يحكم فيها الولي، وفي رتبة الولاية.