القاع والبقاع، وتتقاطر على الحجر والمقام. امرؤ واحد[99] في هذا المعترك المعتكر هو الذي خالف الإجماع، عرف كيف يتحرّر من رِبْقة[100] الضغينة. طفا بنفسه على سطح مستنقع النزاع الذي أوشك قومه أن يغرقوا فيه، لاذ من قيظ الحمق بظلّ الحكمة، وفَاءَ إلى رفق الأناة من هجير[101] الصراع. وفي هدوء وثقة، تقدّم يتوسّط بجسده الفارع الضامر[102] الفريقين، وهو يمدّ أمامه ذراعين صليّين كرُمْحين، كأنّما ليطعن بهما شيطان الخلاف المشبوب[103]. أينبوع حكمة؟ أصيغ من محبّة؟ أم هو ذلك القدّيس الذي حارب التنّين؟ * * * كان قوامه فارعاً ناحلاً معتدلاً كقناة، وكان سمته خطوطاً من الغضون، وندفاً[104]من المشيب، على كتفيه كان يحمل أكواماً من الأعوام، فقد علت به السنّ، وبرّته[105]الأيام. لكنّه صاح فيهم بزئير ليث[106] ريق الشباب، غضّ الإهاب[107]: ـ يا معشر قريش! فسربلهم الصمت، والتوت منهم إليه الرقاب. ـ يا معشر قريش!