وقد تعافت، فصح جسمها، واستقام عودها، وذهبت شكاتها، فأخذته الأريحية واستطاره الفرح، فأخذ يصفّق ويرقص، ولم يلبث أن نبّأته أُمها بخبرها، وما حاطها من بركة السيدة الشريفة جارتهم، فما أن أنهت زوجته من إخباره حتى رفع بصره ومدّ يديه إلى السماء، وقال: سبحانك ربّنا تهدي من تشاء وتضلّ من تشاء، اللّهم إنّي أُشهدك أنّ هذا الدين هو الدين الحقّ، وأنّ الدين عند الله الإسلام، وأنّه لا دين غير الإسلام. ثم توجّه من فوره إلى دار السيدة نفيسة، واستأذنها في الدخول، فأذنت له، فكلّمها وهي من وراء حجاب، وبعد أن حيّاها وشكر لها صنيعها، قال: سيدتي ارحميني وتشفّعي لي، واشفعي في من هو في ضلال الكفر قد تاه، ومن الدين أبعده الكفر وأقصاه. فرفعت السيدة نفيسة بطرفها إلى السماء، ودعت الله عزّ وجلّ له بالهداية، فما أن انتهت من دعائها حتى نطق أبو السرايا بالشهادتين، وسرى الخبر في تلك الجهة فأسلم أهلها، وكانوا أكثر من سبعين بيتاً من اليهود[367]. ثم استأذن أبو السرايا من السيدة نفيسة أن تنتقل إلى دار له بدرب الكرويين المعروف الآن بالحسينية، وهذه الدار باقية للآن، وكذلك الحجرة التي كانت تتعبّد فيها باقية، وهي محلّ إجلال وإكبار، ولايدخلها إلاّ من عهد إليه بنظافتها. على أنّه ما كاد تذاع تلك الكرامة حتى هرع إليها القوم من جميع الجهات، يلتمسون بركاتها ودعواتها، فتكاثرت الجموع على بابها، وضاقت بهم الدار بما رحبت، ففكّرت ملياً في مغادرة مصر حيث تعود ثانياً إلى مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله)، لتقضي بقية عمرها في هدوئها وعبادتها ومناجاة بارئها، وتلتزم حرم جدّها المصطفى (صلى الله عليه وآله)، فاشتدّ ذلك على أهل مصر، وشقّ عليهم أن تفارقهم، وقد لمسوا نفحاتها، وعرفوا هداها وتقواها، وما أفاضه الله تعالى عليها من فيوضات، وما يحيطه بها من تجلّيات ومشاهدات، فالتمسوا منها العدول عن عزمها، ورجوها