48 ـ أبو سعيد الخدري وأبو هريرة: أنّ الله تعالى أطلق لسان عيسى مرّة أُخرى في صباه، فتكلّم ثلاث مرّات، حتّى بلغ ما يبلغ الصبيان فيتكلّمون، فتكلّم فحمد الله أيضاً بتحميد لم تسمع الآذان بمثله حيث أنطقه طفلاً، فقال: «اللهمّ، أنت القريب في علوّك، والمتعالي في دنوّك، الرفيع على كلّ شيء من خلقك. أنت الذي نفذ بصرك في خلقك، وحارت الأبصار دون النظر إليك. أنت الذي غشيت الأبصار دونك، وشمخ بك العلياء في النور، وتشعشع بك البناء الرفيع في المتباعد. أنت الذي جليت حندس[74] الظلم بنورك. أنت الذي أشرقت بضوء نورك دلادج الظلام[75]، وتلألأت تعظيماً أركان العرش نوراً، فلم يبلغ أحد بصفته صفتك، فتباركت اللهمّ خالق الخلق بعزّتك، مقدّر الأُمور بحكمتك، مبتدئ الخلق بعظمتك». قالا: ثمّ أمسك الله لسانه حتّى بلغ.[76] 49 ـ ابن عبّاس: أنّ عيسى بن مريم أمسك عن الكلام بعد إذ كلّمهم طفلاً، حتّى بلغ ما يبلغ الغلمان، ثمّ أنطقه الله ـ بعد ذلك ـ بالحكمة والبيان. قال: فأكثر اليهود فيه وفي أُمّه من قول الزور، فكان عيسى يشرب اللبن من أُمّه، فلمّا فطم أكل الطعام وشرب الشراب حتّى بلغ سبع سنين، فكانت اليهود تسمّيه: ابن البغيّة! فذلك قول الله تعالى: (وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيًما)[77]. قال: فلمّا بلغ سبع سنين أسلمته أُمّه الكتّاب، عند رجل من المكتبين يعلّمه كما يعلّم الغلمان، فلا يعلّمه شيئاً إلاّ بدره عيسى إلى علمه قبل أن يعلّمه إيّاه، فعلّمه أبا جاد، فقال عيسى: «من أبو جاد»؟ قال المعلّم: لا أدري، فقال عيسى: «فكيف تعلّمني ما لا تدري»؟ فقال المعلّم: إذاً فعلّمني، فقال له عيسى: «فقم من مجلسك»، فقام من مجلسه، فقال: «سلني»، فقال