عاش، ويقبض شهيداً. له حوض أكبر من بكّة إلى مطلع الشمس، من رحيق مختوم، فيه آنية مثل نجوم السماء، وأكواب مثل مدر الأرض، عذب فيه من كلّ شراب وطعم كلّ ثمار في الجنّة. من شرب منه شربة لم يظمأ أبداً. وذلك من قسمي وتفضيلي إيّاه على فترة بينك وبينه. يوافق سرّه علانيته، وقوله فعله. لا يأمر الناس إلاّ بما يبدأهم به. دينه الجهاد في عسر ويسر. تنقاد له البلاد، ويخضع له صاحب الروم على دين إبراهيم. يسمّي عند الطعام، ويفشي السلام، ويصلّي والناس نيام. له كل يوم خمس صلوات متواليات. ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار، ويفتتح بالتكبير، ويختتم بالتسليم، ويصفّ قدميه في الصلاة كما تصفّ الملائكة أقدامها، ويخشع لي قلبه ورأسه. النور في صدره، والحقّ على لسانه، وهو على الحقّ حيثما كان. أصله يتيم ضالّ برهة من زمانه عمّا يراد به. تنام عيناه، ولا ينام قلبه. له الشفاعة، وعلى أُمّته تقوم الساعة، ويدي فوق أيديهم. فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه أوفيت له بالجنّة. فمر ظلمة بني إسرائيل ألاّ يدرسوا كتبه، ولا يحرّفوا سنّته، وأن يقرؤه السلام; فإنّ له في المقام شأناً من الشأن. يا عيسى، كلّ ما يقرّبك منّي فقد دللتك عليه، وكلّ ما يباعدك منّي فقد نهيتك عنه; فارتدّ لنفسك. يا عيسى، إنّ الدنيا حلوة، وإنّما استعملتك فيها، فجانب منها ما حذّرتك، وخذ منها ما أعطيتك عفواً. يا عيسى، انظر في عملك نظر العبد المذنب الخاطئ، ولا تنظر في عمل غيرك بمنزلة الربّ; كن فيها زاهداً ولا ترغب فيها فتعطب. يا عيسى، اعقل، وتفكّر، وانظر في نواحي الأرض كيف كان عاقبة الظالمين. يا عيسى، كلّ وصفي لك نصيحة، وكلّ قولي لك حقّ، وأنا الحقّ المبين. فحقّاً أقول: لئن أنت عصيتني ـ بعد أن أنبأتك ـ ما لك من دوني وليّ ولا نصير. يا عيسى، أذلّ قلبك بالخشية، وانظر إلى من هو أسفل منك، ولا تنظر إلى من هو فوقك، واعلم أنّ رأس كلّ خطيئة وذنب هو حبّ الدنيا، فلا تحبّها، فإنّي لا أُحبّها.