ثمّ أسأل الركبان عن خبرك.. لا يكن ـ والله ـ هذا أبداً »([392]). وقد تناهت هذه المناقب إلى مداها الأعلى في نفس قائدهم الكريم.. يخيّل إلى الناظر في أعماله بكربلاء أنّ خلائقه الشريفة كانت في سباق بينها أيّها يظفر بفخار اليوم كلّه، فلا يدري أكان في شجاعته أشجع، أم في صبره أصبر، أم في كرمه أكرم، أم في إيمانه وأنفته وغيرته على الحقّ بالغاً من تلك المناقب المثلى أقصى مداه.. إلاّ أنّه كان يوم الشجاعة لا مراء، وكانت الشجاعة فضيلة الفضائل التي تمدّها سائرها بروافد من كلّ خلق نبيل يعينها على شأنها. فكان الحسين ـ شبل علي ـ في شجاعته الروحيّة والبدنيّة معاً في غاية الغايات، وكان مضرب المثل بين الرعيل الأوّل من أشجع الشجعان في أبناء آدم وحوّاء. ملك جأشه وكلّ شيء من حوله يوهن الجأش، ويحلّ عقدة العزم، ويغري بالدعة والمجاراة. ملك جأشه ومن حوله نساؤه وأبناؤه في نضارة العمر، يجوعون ويظمأون، ويتشبثون به ويبكون. وملك جأشه روية وأناة، ولم يملكه وثبة واثب إلى الغضب أو هيجة مهتاج إلى الوغى. فكان قبل القتال وفي حومة القتال قويّاً بصيراً ينفض الضعف عن