لكنّه لم يكن ييأس من إقناع الناس والتفافهم به منذ خطوته الأُولى، ولم يعقد عزمه على ملاقاة الموت حتّى ساموه الرغم وأبوا عليه أن ينصرف إلى أيّ منصرف قبل التسليم المبين مسوقاً على الكره منه إلى عبيد الله بن زياد. وتتباين آراء المتأخّرين خاصّة في خروج الحسين بنسائه وأبنائه، أكان هو الأحزم والأكرم ؟ أم كان الأحزم والأكرم أن يخرج بمفرده حتّى يرى ما يكون من استجابة الناس له أو إعراضهم عنه وضعفهم في تأييده([373]) ؟ وليس للمتأخّرين أن يقضوا في مسألة كهذه بعقولهم وعاداتهم ; لأنّها مسألة يُقضى فيها بحكم العقل العربي وعاداته في أشباه هذه المواقف. وقد كان اصطحاب النساء والأبناء عادة عربيّة في البعوث التي يتصدّى لها المرء متعمّداً القتال دون غيره فضلاً عن البعوث التي قد تشتبك في القتال وقد تنتهي بسلام كبعثة الحسين. فكان المقاتلون في وقعة ذي قار يصطحبون حلائلهم وذراريهم ويقطعون وضن الرواحل ـ أي: أحزمتها([374]) ـ قبل خوض المعركة([375])، وكان المسلمون والمشركون معاً يصطحبون الحلائل والذراري في غزوات