والباء في قوله بالضمان متعلّق بمحذوف تقديره: الخراج مستحق بالضمان، أي في مقابلة الضمان، أي منافع المبيع بعد القبض تبقى للمشتري في مقابلة الضمان اللازم عليه بطرف المبيع. هذا هو معنى الحديث، وعليه شرّاح الحديث([109]) ولا صلة للحديث بغصب الغاصب مال الغير واستغلال منافعه. والذي يفسّر الحديث وراء فهم الشرّاح انّ عروة بن الزبير نقل عن عائشة أنّ رجلاً اشترى عبداً، فاستغلّه ثمّ وجد به عيباً فردّه، فقال: يا رسول الله إنّه قد استغلّ غلامي، فقال رسول الله: “الخراج بالضمان ”.([110]) وقد ورد من طرقنا أنّ الإمام الصادق(عليه السلام) لمّا سمع فتوى أبي حنيفة بعدم ضمان الغاصب قيمة المنافع التي استوفاها، قال: “في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها وتمنع الأرضُ بركتها ”([111]). ثمّ إنّه يدل على ضمان المنافع المستوفاة عموم قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): “لا يحل مال امرئ مسلم لأخيه إلا عن طيب نفسه ” والمنافع مال، ولأجل ذلك يجعل ثمناً في البيع. وصداقاً في النكاح، مضافاً إلى السيرة العقلائية في تضمين الغاصب المنافع المستوفاة، وعلى ذلك فليس هاهنا مشكلة حتى تعالج بعنصر الزمان، ولم يكن الحكم المزعوم حكماً شرعياً حتى يتغير لأجل فساد أهل الزمان. 3ـ في أصل المذهب الحنفي أنّ الزوجة إذا قبضت مؤجّل مهرها تلزم بمتابعة زوجها حيث شاء، ولكن المتأخّرين لحظوا انقلاب الأخلاق وغلبة الجور، وانّ كثيراً من الرجال يسافرون بزوجاتهم إلى بلاد نائية ليس لهنّ فيها أهل ولا نصير، فيسيئون معاملتهنّ ويجورون عليهنّ، فأفتى المتأخرون بأنّ المرأة لو قبضت مؤجل مهرها لا تجبر على متابعة زوجها، إلى مكان إلا إذا كان وطناً لها وقد جرى فيه عقد الزواج بينهما، وذلك لفساد الزمان وأخلاق الناس، وعلى هذا استقرت الفتوى والقضاء في المذهب.([112])