الغالب لم تحدَّد من الشريعة الإسلامية بل تركتها مطلقة لكي يختار منها في كلّ زمان ما هو أصلح في التنظيم نتاجاً وأنجح في التقويم علاجاً. ثمّ إنّ الأستاذ جعل المنشأ لتغير الأحكام أحد أمرين: أ. فساد الأخلاق، وفقدان الورع وضعف الوازع، وأسماه بفساد الزمان. ب. حدوث أوضاع تنظيمية، ووسائل فرضية، وأساليب اقتصادية. ثمّ إنّه مثّل لكل من النوعين بأمثلة مختلفة اقتبس بعضها من رسالة “نشر العرف ” للشيخ ابن عابدين، ولكنّه صاغ الأمثلة في ثوب جديد، ولنذكر كلا الأمرين وأمثلتهما. أ ـ تغيير الأحكام الاجتهادية لفساد الزمان 1ـ من المقرر في أصل المذهب الحنفي إنّ المدين تنفذ تصرفاته في أمواله بالهبة والوقف وسائر وجوه التبرّع، ولو كانت ديونه مستغرقة أمواله كلّها، باعتبار انّ الديون تتعلّق بذمّته فتبقى أعيان أمواله حرة، فينفذ فيها تصرّفه، وهذا مقتضى القواعد القياسية. ثمّ لما فسدت ذمم الناس وكثر الطمع وقلّ الورعُ وأصبح المدينون يعمدون إلى تهريب أموالهم من وجه الدائنين عن طريق وقفها، أو هبتها لمن يثقون به من قريب أو صديق، أفتى المتأخرون من فقهاء المذهبين الحنبلي والحنفي بعدم نفاذ هذه التصرفات من المدين إلا فيما يزيد عن وفاء الدين من أمواله ”([105]). هذا في الفقه السنّي، ولكن في الفقه الإمامي ليس هناك أي مشكلة حتى نتوسل بعنصر الزمان ونلتزم بتغير الأحكام في ظلّه، لأنّ للمحجور حالتين: الأولى: إذا حجر عليه الحاكم وحكم بإفلاسه فعند ذاك يتعلّق حقّ الغرماء بأمواله لا بذمَّته، نظير تعلّق حقّ المرتهن بالعين المرهونة فلا يجوز له التصرف فيها بعوض كالبيع والإجارة، وبغير عوض كالوقف والهبة إلا بإذنهم وإجازتهم. الثانية: إذا لم يحجر عليه فتصرفاته على قسمين: قسم لا يريد الفرار من أداء الديون ولا يلازم حرمان الديان، فيجوز له التصرّف بأمواله كيفما شاء، والقسم