أ- ميدان الطرق والمناهج: لقد أشرنا في بداية بحثنا إلى أن النهضة العلمية الحديثة بدأت بكتابين في المنهج، وسرعان ما تطورت المناهج وتشعبت لتطال مختلف نواحي الحياة. فهناك مناهج للفلسفة، والتربية، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والتاريخ، والعلوم الرياضية والتجريبية، وغيرها. والمنهج (Method) بوجه عام هو وسيلة محددة توصل إلى غاية معينة، أما المنهج العلمي فهو خطة منظمة لعدة عمليات ذهنية أو حسية بغية الوصول إلى كشف الحقيقة أو البرهنة عليها([10]). والحق أن المناهج العلمية ليست ابتكاراً غربياً وإنما سبقهم إليه المسلمون إبان ازدهار حضارتهم، وحسبنا أن نشير إلى جابر بن حيان ومنهجه التجريبي، والكندي ومنهجه الرياضي، وكذا الفارابي الذي كتب (إحصاء العلوم) مبينا الخصائص الذاتية لكل علم مما يعد مقدمة ضرورية لفلسفة العلوم ومناهج البحث العلمي، وغير أولئك كثيرون. غير أن قرون التراجع الحضاري التي مرّ بها المسلمون أدت إلى تجمُّد حركة المناهج أو انعدامها في حين تقدم فيها غيرنا، الأمر الذي أدى إلى تخلف علمي ملحوظ، لأن تقدم العلم مرهون بتقدم مناهجه. من هنا كان لابد للدراسات التقليدية أن تستفيد من المناهج الحديثة في تطوير طرق التدريس، وجمع المعلومات، ومعالجة مشكلات الواقع بمنظار منهجي معاصر وليس من خلال مناهج وأدوات قديمة كانت صالحة لوقتها، لأن المناهج في النهاية هي وسائل لا غايات، فإذا ثبت عجزها عن تحقيق ما نهدف إليه صار من اللازم استبدالها بوسائل أخرى تأخذ بأيدينا إلى الحقيقة أو الغاية التي نريد. لقد تخلت الفلسفة الحديثة منذ أربعة قرون عن منطق أرسطو، لأنه أصبح حجر عثرة في طريق التقدم العلمي، بينما نجد أن منطقه الصوري مازال هو المعتمد في الجامعات الدينية والحوزات العلمية، ويعتبر