ـ(452)ـ لتطوّرات الوعي البشري، وقدرة الدين الإسلامي بشكل خاصّ على القيام بهذا الأمر. وما تطرحه النصوص الإسلامية في هذا الشأن هو أنّ دلالات النصّ لا تتوقّف عند مستوى واحد من الفهم، بل هي تتعدّد وتتنوّع بتعدّد وتنوّع الأزمان والأشخاص ومستويات الفهم والإدراك، وأنّ النصّ لـه قابلية الانفتاح على قراءات مختلفة، تتجدد وتتسع بتجدد أفكار البشر واتّساع مداركهم المعرفية. ويمكننا القول: إنّ النصوص الإسلامية جعلت انفتاح النصّ على الأفهام المختلفة وقابليّته للقراءات المتنوّعة ميزة أساسية وحيوية من ميّزات النصّ الديني. وهذا ما يفيدنا إيّاه الإمام عليّ عليه السلام في حديثه عن القرآن الكريم حينما يصفه بالقول: "وإنّ القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تكشف الظلمات إلاّ به"(1)، وفي قوله عليه السلام: "واعلموا أنّ هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغشّ، والهادي الذي لا يضلّ، والمحدِّث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى أو نقصان من عمى"(2). ونلمح الإشارة إلى هذه القابلية التي يتمتع بها النصّ الديني فيما روى العيّاشي وغيره عن جابر، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن شيء من تفسير القرآن فأجابني، ثمّ سألت ثانية فأجابني بجواب آخر، فقلت: جعلت فداك كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم! فقال لي: "يا جابر! إنّ للقرآن بطناً، وللبطن بطناً وظهراً، وللظهر ظهراً يا جابر! وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إنّ الآية لتكون أوّلها في شيء _______________________________________ 1 ـ المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة: 19، محمّد دشتي وكاظم محمّدي، مؤسّسة النشر الإسلامي، إيران - قم 1406 هـ. 2 ـ المصدر نفسه: 61.