المقدمـة تشغل مقولة العولمة (Globalization) منذ مدة، شأنها شأن مقولات التنمية الإقتصادية والتنمية السياسية، العقول والأذهان وتدفع الناس بمختلف شرائحهم إلى إظهار ردود فعل مختلفة.. لكنها تختلف عن سابقاتها من المقولات في أنها حفزت أذهان المفكرين والمراكز والأوساط الدينية، ولذا فإنك تشاهد في كل مكان جهوداً ومحاولات لفهم أوسع لهذه المقولة ودرك أبعادها المفاهيمية قدر الإمكان وصولاً إلى بسط ونشر العولمة المنشودة ذات الصلة الوثيقة بالأمة الإسلامية على نحو العموم، والمهدوية على وجه خاص. وخلافاً لسائر المقولات التي لعبت العاطفة والأحاسيس دوراً في الخوض فيها وتبنّيها فترة من الزمن قبل تركها في نصف الطريق إثر طرح مفهوم ومقولة أخرى واعتمادها قبل أن توضع هي الأخرى جانباً في نصف الطريق أيضاً إثر ظهور مقولة ثالثة وهكذا دواليك، نأمل أن يتسم العمل في إطار التعاطي مع العولمة هذه المرة بالعمق والتدبر والصبر وبما يمكننا من فهم أبعادها ومكوناتها وجذورها ومتناقضاتها مستعينين بالنقد البناء وتقييم إمكانية تبلور العولمة اصطلاحاً ومدى الإستفادة من إمكاناتها المفاهيمية، وصولاً إلى تقديم أنموذج مناسب يتماشى مع المنطق. هدفنا من المقال عرض صورة عن العولمة المصطلح وبحث المفارقات والإيهامات وإمكانية وجودها ضمن الأبعاد الفلسفية والنظرية عبر استخلاص استحقاقاتها المفاهيمية ومن ثم الخوض في الإمكانيات الدينية لعرض عولمة منشودة. ولتحقيق هذا الأمر المهم، لابد في البدء ومن خلال تحديد مستلزمات وضرورات العولمة ومناقشة المفهوم المرتبط بالنـزعة المطلقة، التعرف بدقة على العولمـة كمصطلح وتطابقها مع العولمة المنشودة والمتصوَّرة. بعبـارة أخرى، يجب في البداية تحديد طبيعة مستلزمات ومكونات وخصائص العولمة الحقيقية وهل أن هذه العولمة المعروفة اصطلاحاً تتطابق مع العولمة الحقيقية أم لا؟ من المؤكد أنه لا يمكن القيام بهذه المقارنة والمطابقة دون فهم مكونات وأسس وأبعاد العولمة كمصطلح. الخطوة التالية تكمن في معرفة الوضع الراهن للعالم وتطابقه مع ادعاءات العولمة كمصطلح، وما مدى التناغم الموجود بين تصريحات وكلمات أنصار العولمة وبين الحقائق المتاحة؟ أما الخطوة النهائية فتتمثل في معرفة قدرات الأديان وخاصة الإسلام ليكون عالمياً وذا