[ 152 ] وعلى جوار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! فقال المهدى: بلى والله يا أبا عبد الله، حتى لا أجد إلا مثل هذا، ومد يده ليأخذ من الارض شيئا فلم يجده. ثم قال صدقت فيهم وبررت، وحضضت على الرشد، فأنت أهل أن يطاع أمرك، ويسمع قولك، فأمر له بخمسة أبيات مال، والبيت عندهم خمسمائة ألف، وأمر مالكا أن يختار من تلامذته رجالا يثق بهم، ويعتمد عليهم، يقسمونها على أهل المدينة، ويؤثرون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله، وأهل بيت أبى بكر وعمر وعثمان، ثم أهل بيوت المهاجرين والانصار، ثم الذين اتبعوهم بإحسان، ففعل فأغنى أهل المدينة عامهم ذلك. ذكر استخلاف هارون الرشيد قال: وذكروا أنه لما كانت سنة ثلاث وسبعين ومائة توفى المهدى، وذلك أنه خرج يوما إلى بعض المنازل، ومعه أهله وبعض بنيه، وكان قد ذكر أن يستخلف ابنه عبد الله بعده، ثم غفل عن ذلك وتركه، فحمل عبد الله الحرص والطيش إلى أن دس على أبيه بعض الجوارى المتمكنات منه بسمه، وبذل لها على ذلك الاموال، ومناها أمانى الغرور. فلما سمته، ووصل إليه السم، عرف المهدى أنه قد قتل، فدعا كاتبه فقال له: عجل واكتب عهد هارون الرشيد، وخذ بيعة الجند، وأمراء الاجناد، واكتب بذلك إلى ولاة الامصار، وكان الرشيد أصغر بنيه، وكان ابن أمة، لا يطمع في خلافة، ولا يظن بها، فأدخله على نفسه وهو يجود بها، والرشيد لا يعلم أنه مستخلف. فقال له المهدى: أي بنى، والله ما أردت استخلافك، ولا هممت به لحداثة سنك، وقد كان قال لى جدك أبو جعفر، وأنت يومئذ قد ترعرعت في أول رؤية رآك: إن ابني هذا الاعين (1) سيلى هذا الامر، ويسير فيه سيرة صالحة، فقلت: يا أبت، أتظن ذلك ؟ قال: ما هو بالظن، ولكن اليقين، ويكون ملكا بضعا وعشرين سنة، وتقتله الحمى الربع (2)، فاندفع الرشيد باكيا فقال له: ما يبكيك يا فتى ؟ قال: يا أبت، إنك والله نعيت لى نفسي، وعرفتني متى أموت، ومم أموت ؟ قال: هو ذاك، فشمر، واجتهد وجد، وخذ بالحزم والكرم، ودع الاحن، وانظر أخاك عبد الله فلا يناله منك مكروه، فقد عفوت عنه. فقال الرشيد: يا أبت، وتعفو عنه، وقد أتى ما ذكرت، ________________________________________ (1) الاعين: شديد سواد العين واسعها (2) الحمى الربع: بكسر الراء وسكون الباء هي التى تأتى المريض يوما وتسكت يومين ثم تأتى في اليوم الرابع. (*) ________________________________________