[ 146 ] كتاب عبيدالله العمرى إلى أبى جعفر قال: وذكروا أن أبا جعفر لما قفل من حجه سنة ثمان وأربعين ومئة، سأل عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو الفقيه المعروف بالعمرى. فقيل له: إنه لم يحج العام يا أمير المؤمنين، ولو حج لكان أول داخل عليك، فلا تقبل عليه أحدا يا أمير المؤمنين، ولا يقدح فيه عندك إلا باطلي أو كذاب، فإنه من علمت. فقال أبو جعفر: والله ما تخلف عن الحج في عامه هذا إلا علما منه بأنى حاج، فلذلك تخلف، ولا والله ما زاده ذلك عندي إلا شرفا ورفعة، وإنى من التوقير له والاجلال بحال لا إخال أحدا من الناس بذلك، لشرفه في قريش، وعظيم منزلته من هذا الامر، والموضع الذى جعله الله فيه، والمكان الذي أنزله به. فلما قدم أبو جعفر بغداد، ورد عليه كتاب عبيدالله العمرى، فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، لعبدالله أبى جعفر أمير المؤمنين، من عبيدالله بن عمر. سلام الله عليك، ورحمة الله التى اتسعت فوسعت من شاء. أما بعد: فإنى عهدتك، وأمر نفسك لك مهم، وقد أصبحت وقد وليت أمر هذه الامة، أحمرها (1) وأسودها وأبيضها، وشريفها، ووضيعها، يجلس بين يديك العدو والصديق، والشريف والوضيع، ولكل حصته من العدل، ونصيبه من الحق، فانظر كيف أنت عند الله يا أبا جعفر، وإنى أحذرك يوما تفنى فيه الوجوه والقلوب، وتنقطع فيه الحجة، لملك قد قهرهم بجبروته، وأذلهم بسلطانه والخلق داخرون (2) له، يرجون رحمته ويخافون عذابة وعقابه. وإنا كنا نتحدث أن أمر هذه الامة سيرجع في آخر زمانها، أن يكون إخوان العلانية أعداء السريرة، وإنى أعوذ بالله أن تنزل كتابي سوء المنزل، فإنى إنما كتبت به نصيحة، والسلام. فأجابه أبو جعفر المنصور من عبد الله بن محمد أمير المؤمنين، إلى عبيدالله بن عمر بن حفص: سلام عليك، أما بعد، فإنك كتبت إلي تذكر أنك عهدتني وأمر نفسي لى مهم، فأصبحت وقد وليت أمر هذه الامة بأسرها، وكتبت تذكر أنه بلغك أن أمر هذه الامة سيرجع في ________________________________________ (1) الاحمر: الفرس، والاسود: العرب، والابيض: الروم، يريد أنك توليت أمر الامة بما فيها جميع الاجناس. (2) داخرون له: أذلاء له، صغار أمام كبريائه. (*) ________________________________________