[ 143 ] دخول سفيان الثوري وسليمان الخواص على أبى جعفر وما قالا له قال: وذكروا أنه لما كان أبو جعفر بمنى في العام الذى حج فيه سفيان الثوري وسليمان الخواص، قال أحدهما لصاحبه: ألا ندخل على هذا الطاغى الذي كان يزاحمنا بالامس في مجالس العلم عند منصور والزهرى، فنكلمه، ونأمره بحق، وننهاه عن باطل، فلعل أن يقع كلامنا منه موقعا ينفع الله به المسلمين، ويأجرنا عليه. فقال سليمان الخواص: إنى لاخشى أن يأتي علينا منه يوم سوء. فقال الثوري: ما أخاف ذلك، فإن شئت فادخل، وإن شئت دخلت. فدخل سليمان الخواص، فأمره ونهاه، ووعظه وذكره الله، وما هو صائر إليه، ومسئول عنه. فقال له أبو جعفر: أنت مقتول، ما تقول في كذا وكذا، لشئ سأله عنه من باب العلم ؟ فأجابه، فلما خرج قال سفيان الثوري: ماذا صنعت ؟ قال: أمرت ونهيت، ووعظت وذكرت فرضا كان في رقابنا أديناه مع أنه لا يقبل، وسألني عن مسألة فأجبته. قال سفيان: ما صنعت شيئا، فدخل سفيان الثوري فأمره ونهاه. فقال له: ها هنا أبا عبد إلى إلى، ادن منى. فقال: إني لا أطأ ما لا أملك ولا تملك. فقال أبو جعفر: يا غلام أدرج البساط، وارفع الوطاء، فتقدم سفيان فصار بين يديه وقعد، ليس بينه وبين الارض شئ، وهو يقول: - منها خلقناكم، وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى -، فدمعت عينا أبى جعفر. ثم تكلم سفيان دون أن يستأذن، فوعظ وأمر ونهى وذكر، وأغلظ في قوله. فقال له الحاجب: أيها الرجل، أنت مقتول: فقال سفيان: وإن كنت مقتولا فالساعة، فسأله أبو جعفر عن مسألة فأجابه، ثم قال سفيان: فما تقول أنت يا أمير المؤمنين فيما أنفقت من مال الله، ومال أمة محمد بغير إذنهم، وقد قال عمر في حجة حجها، وقد أنفق ستة عشر دينارا هو ومن معه: ما أرانا إلا وقد أجحفنا ببيت المال. وقد علمت ما حدثنا به منصور بن عمار، وأنت حاضر ذلك، وأول كاتب كتبه في المجلس عن إبراهيم، عن الاسود، عن علقمة، عن ابن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رب متخوض في مال الله ومال رسول الله فيما شاءت نفسه له النار غدا " فقال له أبو عبيدة الكاتب: أمير المؤمنين يستقبل بمثل هذا ؟ فقال له سفيان: اسكت، فإنما أهلك فرعون هامان، وهامان فرعون. ثم خرج سفيان، فقال أبو عبيدة الكاتب: ألا تأمر بقتل هذا الرجل ؟ فو الله ________________________________________