المدعي من إثبات حقه بالبينة عند ذلك قال أبو يوسف ومحمد يستحلفه على حق المدعي ويجبره أنه يلزمه القضاء إن لم يحلف فإن لم يحلف قضى عليه بالنكول وإن حلف دعي المدعي شهوده فهما يجعلان سكوته أيضا بمنزلة إنكاره إلا أن على قولهما إذا طلب المدعي يمين المدعى عليه استحلفه القاضي فإن زعم المدعي أن له شهودا على حقه فعند أبي حنيفة إنما يشتغل بالاستحلاف إذا قال المدعي لا بينة لي فأما إذا كانت له بينة لا يشتغل بالاستحلاف لأن النبي قال للمدعي ألك بينة قال لا فقال عليه السلام إذا لك يمينه ولأنه إنما يشتغل بالاستحلاف في موضع ينقطع المنازعة باليمين وإنما يكون ذلك إذا لم يكن للمدعي بينة فأما إذا كان له بينة فالمنازعة لا تنقطع بالاستحلاف لأن المدعي يقيم البينة بعده فليس في الاشتغال بالاستحلاف هنا فائدة قطع الخصومة وهما يقولان البينة واليمين كل واحد منهما حق المدعي فله في الاستحلاف مقصود صحيح وهو وصوله إلى حقه في أقرب الأوقات لعلمه أن الخصم لا يحلف كاذبا فكان له أن يطلبه بذلك وعلى القاضي إجابته إليه ( ألا ترى ) أنه يسأله الجواب في الابتداء رجاء أن يقر فلا يحتاج إلى إقامة البينة فكذلك له أن يستحلفه رجاء أن ينكل عن اليمين فلا يحتاج إلى إقامة البينة وإذا أنكر الخصم الدعوى ثم جاء بالشهود على الحرج منها فإن ذلك مقبول منه عندنا وكان بن أبي ليلى لا يقبله وتفسير ذلك أن يدعي قبله مالا فيقول ماله قبلي شيء ثم يقيم الطالب البينة على ماله ويقيم الاخر البينة أنه قد أوفاه فابن أبي ليلى يقول هو مناقض في دعواه الإيفاء بعد إنكاره أصل المال خصوصا إذا قال ما كان له على ساقط وقبول البينة ينبني على دعوى صحيحة ومع التناقض لا تصح الدعوى ( ألا ترى ) أنه لو قال ما كان له على شيء قط ولا أعرفه لم تقبل منه البينة على الإيفاء بعد ذلك لهذا المعنى ولكنا نقول دعواه الايفاء بعد جحود أصل المال دعوى صحيحة أما باعتبار أنه لا شيء عليه في الحال أو أنه لم يكن عليه شيء قط لكنه ادعي مرة هذه الدعوى الباطلة واستوفى المال بها فإذا كانت الدعوى صحيحة بهذا الطريق من التوثق كان متمكنا من إثباتها بالبينة ثم الثابت بالبينة كالثابت بإقرار الخصم بخلاف ما إذا قال ما كان له على شيء قط ولا أعرفه لأن مع ذلك الزيادة في الإنكار متعذر التوفيق بين كلاميه من الوجه الذي قلنا وإذا ادعي الرجل قبل رجل دعوى وقال عندي منها المخرج فليس هذا بإقرار منه عندنا وقال بن أبي ليلى هو إقرار لأن المخرج منها إنما يتحقق بعد الدخول فيها فكان هذا وقوله أوفيتها إياه أو أبرأني منها سواء وذاك إقرار