وإن كانوا موادعين .
ألا ترى أنهم بعد مضي المدة يعودون حربا للمسلمين ولا يمنع التجار من دخول دار الحرب بالتجارات ما خلا الكراع والسلاح فإنهم يتقوون بذلك على قتال المسلمين فيمنعون من حمله إليهم وكذلك الحديد فإنه أصل السلاح قال الله تعالى ! < وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد > ! 25 ومن دخل منهم دار الإسلام بغير أمان جديد سوى الموادعة لم يتعرض له لأنه آمن بتلك الموادعة .
ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يتعرضوا له في داره فكذلك إذا دخل دار الإسلام وقد دخل أبو سفيان رضي الله عنه المدينة في زمن الهدنة ولم يتعرض له أحد بشيء وكذلك لو دخل رجل منهم دار حرب أخرى فظهر المسلمون عليهم لم يتعرضوا له لأنه في أمان المسلمين حيث كان بمنزلة ذمي يدخل دار الحرب ثم يظهر المسلمون على تلك الدار وإذا اشترى الحربي المستأمن في دار الإسلام عبدا مسلما أو ذميا أو أسلم بعض عبيده الذين أدخلهم لم يترك ليرده إلى دار الحرب لأنه مسلم ولا يترك في ملك الكافر ليستذله ولكن يجبر على بيعه من المسلمين بمنزلة الذمي يسلم عبده .
( فإن قيل ) الذمي ملتزم أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات والمستأمن غير ملتزم لذلك .
( قلنا ) المستأمن ملتزم ترك الاستخفاف بالمسلمين فإنا ما أعطيناه الأمان ليستذل المسلم إذ لا يجوز إعطاء الأمان على هذا فلهذا يجبر على بيعه وإن رجع المستأمن إلى دار الحرب وقد أدان في دار الإسلام وأودع ودبر ثم أسر وظهر على تلك الدار وقتل فنقول أما مدبروه وأمهات أولاده فهم أحرار إن قتل فغير مشكل وكذلك إذا استرق لأنه صار مملوكا والرق إتلاف له حكما ولأنهم خرجوا من ملكه لوجود المنافي ولا يصيرون في ملك غيره لأن المدبر وأم الولد لا يحتمل ذلك فلهذا كان حرا وأما الدين فهو يسقط عمن عليه لخروجه من أن يكون أهلا للملك ولأن الدين لا يرد عليه القهر ليصير مملوكا للسابي إذ هو في ذمة من عليه ويده إلى ما في ذمته أسبق من يد غيره فصار محرزا له والودائع فيء لأنها تدخل تحت القهر ويد المودع كيد المودع ولو كانت في يده حين سبي كان ذلك فيئا فكذلك إن كان في يد مودعه .
وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنها مملوكة للمودعين لأن أيديهم إليها أسبق حين سقط عنها يد الحربي بالأسر فصاروا محرزين لها دون الغانمين وهذا كله لأن بقاء حكم الأمان له في هذه الأموال ما لم يتقرر المنافي وقد تقرر ذلك حين أسر وظهر المسلمون على الدار وإن دخل بعبده المسلم الذي اشتراه أو أسلم في يده في دار الحرب عتق في قول أبي حنيفة رحمه الله ولم يعتق في قول