( 22 ) ولعل عميد الأدب العربي المرحوم الدكتور طه حسين ( ت : 1973م ) قد أجمل المنظور القديم والحديث في دلالة الألفاظ على شكل تساؤل إيحائي في إطار نقدي يعنى بمفهوم الأدب فقال : " وما عسى أن تكون هذه الصاغة ، أهي التأليف بين المعاني أو بين هذه الصور لتلتئم وتأتلف ، والدلالة عليها بالألفاظ التي يؤديها إلى القراء ؟ أم هي شيء آخر؟ فإن تكن الأولى ففيم الأخذ والرد والجدال الطويل وقد قلت لهم : إن الألفاظ وحدها لا تغني شيئاً ، وإنّ الأدب لا يكون إلا إذا ائتلفت المعاني بينهما ، وائتلفت الألفاظ فيما بينها وبين المعاني ، كان الجمال الفني هو الذي ألف بينها فأحسن التأليف ، وإن تكن الصياغة شيئاً آخر فما عسى أن تكون " (1) . هذه روح الدلالة عند العرب بأسلوب واضح كما سترى ، لأن الفروق التعبيرية بين حالتين ـ كما هو الظاهر ـ عند المحدثين من الأوروبيين والقدامى من العرب ، تتجلى في نتائج البحث عن الدلالة ، فكأنك لا تلمس شيئاً محسوساً في التعبير الحديث ، بينما تضع بصماتك على الأثر الجلي في المدرسة الدلالية عند العرب ، فهناك الألفاظ الأخاذة دون حصيلة مجدية ، وهناك الأصالة العلمية في المقدمات والنتائج الموضوعية ، ولايعني هذا العرض الغض من معطيات المدرسة الحديثة بقدر ما يعني الاعتداد بما أسداه الأوائل ضمن صفائهم الفطري للموروث الحضاري الأنساني المتصاعد . ولا بد لي من الوقوف قليلاً بل الإشارة تلميحاً إلى ما حققه إثنان من علماء الأمة العربية المعاصرين بل علمان من أعلامها : في مجال التنظير الدلالي في رؤية تراثية تستلهم القرآن العظيم عند الأول ، والشعر العربي القديم عند الثاني : 1ـ لقد استلهم أستاذنا وصديقنا العلامة المرحوم الدكتور أحمد عبد الستار الجواري روح الدلالة في المنظور القرآني من خلال حذف القول في العبارات القرآنية التي تدل معانيها على مرادها ، دون استخدام الألفاظ لهذا الغرض ، مما يحمل السامع على توقع أمر ذي بال ، كما هي الحال في ____________ (1) طه حسين ، خصام ونقد : 102 .