[578] بسبب كثرة ذنوبهم، ولأنّهم لا يعلمون شيئاً... إذ تقول: (كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون ). وكلمة "يطبع" مأخوذة من الطبع، ومعناها ختم الشيء، وهي إشارة إلى ما كان يجري في السابق، وهو جار أيضاً اليوم إذ يختم على الشيء كيلا يتصرف به ويُغلق بإحكام، وقد يضعون عليه القفل ويضربون عليه مادة لزجة مختومة بإشارة معينة كما بيّنا بحيث لا يمكن فتح ذلك الشيء إلاّ بكسره، فيفتضح أمره بسرعة. وكان القرآن استعمل هذا التعبير كناية عن القلوب التي لا ينفذ إليها النصح، والذين فقدوا الوجدان والعقل والعلم، ولا أمل في هدايتهم. وممّا يسترعي الإنتباه أنّ في الآيات السابقة ذكر العلم أساساً للإيمان، وفي هذه الآية ذُكر الجهل أساساً للكفر وعدم التسليم للحق. أمّا آخر آية ــ من الآيات محل البحث ـ التي تقع في آخر سورة الروم، فهي تأمر النّبي(صلى الله عليه وآله) أمرين مهمين، وتبشره بشارة كبرى، لتحثه على مواصلة الوقوف والتصدي للمشركين والجاهلين والسفهاء بالاستقامة والصبر. تقول أوّلا: اذا كان الأمر كذلك، فعليك بالصبر والإستقامة امام الحوادث المختلفة، وفي مقابل انواع الأذى والبهتان والمصاعب (فاصبر ). لأنّ الصبر والإستقامة هما مفتاح النصر الأصيل. وليكون النّبي(صلى الله عليه وآله) أكثر اطمئناناً، فإنّ الآية تضيف (إن وعد الله حق ) فقد وعدك والمؤمنين بالنصر، والإستخلاف في الأرض، وغلبة الإسلام على الكفر، والنور على الظلمة، والعلم على الجهل. وسوف يُلبس هذا الوعد ثوب العمل!. وكلمة "الوعد" هنا إشارة إلى الوعود المكررة التي وعدها القرآن في انتصار المؤمنين، ومن ضمنها الآية (47) من هذه السورة (وكان حقّاً علينا نصر المؤمنين ). والآية (51) من سورة غافر (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا